الاثنين، 11 نوفمبر 2013

البحثُ العلميّ في حقلِ علومِ الإعلامِ و الاتــــِـصال

                                  إعــــــداد :
   فــــريــــال أوصــــيف                                   أمـــــــال رقيــــبة 





  
لا يَكونُ البحثُ علميّا إلاَّ إذا أنجزت الدراسةُ موضوعُهُ وفق أسس و مناهج و أصولٍ و قواعد ، و مرت بخطوات و مراحــــــــــــــــل بدأت بمشكلة و إنتهت بحلها أو الدنو من ذلك ، و هو قبل ذلك إنجاز مهم لعقلٍ إتسم بالمرونة و الـتأمل و بالأفق الواسع فكلما تمكن الإنسان من تحريكِ ملكاتِ عقلهِ في الصدد المذكور كلما إستطاع أن يتقدم في مجال العلومِ و أن يكسب الرهان  في تجسيد عمله الذهني ميدانيا .

في هذا البحث نــــــــــُحاولُ تسليطَ الضوءِ على أسس البحث العلميّ في حقل علوم الإعلام و الإتصال من خلالِ التركيز على جملة من العنـــاصر التي من شأنها أن تقدم لنـــــا مدخلا وافيّا عن الأصول التي إنبثق عنها هذا النشاط و كذا أهم المفاهيم و الإتجاهات و المجالات المتعلقة به .

       1.     مدخل إلى البحث في علوم الإعلام و الاتصال
                 1.1.    تحديد المفــــاهيم :
نراجع فيما يلي التحديدات المتداولة للمفاهيم التي نستعملها في هذا البحث من خلال مراجعة الأدبيات العلميّة التي تناولتها ، و تعد هذه الخطوة بالنسبة لنا شرطا مهما من شروط المعرفة العلميّة الصحيحة و أحد السبل الممنهجة لظبط مسار هذا العرض .

                       1.1.1.          تعريف البحث العلميّ:
أنتج العديد من الباحثين في أصول البحث العلميّ و مناهجه نزرا مهما من التعريفات التي تتشابه إلى حد كبير فيما بينها و هذا بالرغم من الإختلاف الحاصل في المــــــشاربِ الثقافيّة و العلميّة لأصحابها ، و بالرغم من إختلاف لغاتهم و دوائرهم المعرفية فمنها في مفهوم " وتنـــــيّ Whitnny  " على سبيل الإستهلال : البحث العلميّ هو بمثابة " إستقصاء دقيق يهدف إلى إكتشاف حقائق و قواعد عامة يمكن التحقق منها مستقبلا ".[1]

كما أن البحث العلميّ  عند الباحث الكندي Maurice Angers  " نشاط علميّ يتمثل في جمعِ المعطيات و تحليلها و ذلك بِغرضِ الإجابة عن مُشكلة بحثٍ معينة ".[2]

من جهته يعرف الدكتور أحمد بدر البحث على أنه  "وسيلة للإستعلام و الإستقصاءِ المنظم و الدقيق الذي يقوم به الباحث بغرض إكتشاف معلومات أو علاقات جديدة ، بالإضافة إلى تطوير أو تصحيحِ أو التحقيقِ في المعلومات الموجودة فعلا ، على أن يَتَبِعَ في هذا الفحصِ و الإستعلامِ الدقيق خُطواتِ المنهجِ العلميّ ".[3]

بدوره يؤكدُ البـــــاحث الجزائريّ أحمد عظيمي على أن البحث العلميّ هو ذلك  "التقصي المنظم للحقائقِ العلميّة بهدفِ التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد إليها و ذلك بإتباعِ أساليبَ و مناهج علميّة " كما يرى أنه كذلك " نشاط يهدفُ إلى إيجادِ حلولٍ لمشاكل مطروحة ، و هو عمليّة عقليّة مُعقدة تقوم على الوصف و التفسيرِ و التنبأ " . [4]

في ذات السياق وظبَ الباحث الجزائري أحمد بن مرسلي في أغلبِ إنتاجاته المنهجيّة مساحة لابأس بها في تبيان تعريفِ هذا الجهد الفكري المنظم المصطلح عليه علميّا بالبحث العلميّ و لعل المسح السريع لهذه المساحة يضعنا أمام عدد من التعاريف  على غرار ذلك الخاص بموسوعة La rousse   التي إعتبرته " نشاطا أساسه الكشف عن معارف جديدة في ميدان معين " ، فضلا عن تعريف الباحثين دلال القاضي و محمود البياني اللذينِ ذهبا إلى أنه " نــــــشاطٌ فكري يتكون من عنصرين : أولّهما الوصفي و الذي يتضمن فهم الأحداث و متــــــــــابعتها عن طريق المُــــــــــشاهـــــــــــدة ( الملاحــــــــظة ) و ثانيهما النظريّ و الذي يتضمن وضعيّة المُشاهادات و الملاحظات التي تم الحصول عليها ".[5]

في حـــــــــينِ يعرفُ الأكاديمي صاحب المساحة  البحث العلميّ على أنه " سعي منظم في ميدان معين هدفه إكتشاف المبادئ و الحقائق " و هو في نظرنا أكثر التعريفات بساطة و وضوحا .[6]

2.1.1. البحث العلميّ في حقلِ علوم الإعلام و الاتصال :
من التعــــــــــــاريف السابقة نجد أن البحث في علوم الإعلام و الاتصال هو تلك الإهتمامات البحثيّة الأساسية المُكونة لما يجب أن يُستقصى و يُستلعم عنه من موضوعات و متغيراتٍ في هذا المجال بإستخدام نزرٍ من المناهج العلميّة و الأدوات البحثيّة .

و لأن العلم كما جاء به Conant  على سبيل التمثيل هو عبارة عن " سلسلة من التصورات الذهنيّة و المشروعات التصورية المترابطة و المــــــتواصلة التي جاءت نتيجة لعمليتي الملاحظة و التجريب " [7]، و تلك المعرفة التي تخضع لعمليّة من الأبحــــــــــــــــــــاث من خلال نهج سبيل التقصي و الإستدلال و البرهنة العلميّة في إطارها الموضوعي يمكننا أن نقوم بعملية إسقاط على الحقل محل البحث و ذلك راجع طبعا لكل تلك الجهود الفكريّة التي إجتمعت بخلفياتها العلميّة المتنوعة لتقيم بشكل خاص أسسا لما أطلق عليه فيما بعد علم الإعلام و الاتصال ، هذا الأخير الذي أصبح علمً منفصلا و قائما بحد ذاته .


   3.1.1 .  النظرية في عــــــــــــــلوم الإعلام و الاتصال :

النظريّة العلميّة عموما عبارة عن مَــــجموعةٍ من المفاهيم و التعريفات و الإفتراضات التي تعطينا نظرة منظمة عن ظاهرة ما من خِلالِ  تحديد العلاقات المختلفة بين المتغيرات الخاصة بها ، و كذا بهدف تفسريها ( الهاء تعود على الظاهرة ) و التنبوء بها مستقبلا.

و النظرية في مجــــــــــــــــــال دراستنا ثلاثٌ :

. النظرية العمليّة : و تشير إلى الأفكار التي يحملها العاملون في حقل الإعلامِ و الاتصال من قائمين و مسيرين و صحفيين و تقنيين ، هذه الأفكار تدور في أغلبها حول أهداف و طبيعة العمل و الكيفية التي يمكن من خلالها تحقيق بعض التأثيرات . و يرتبطُ جزء مهم من هذه الأفكـــــــــــــــــــــــار بالجانب التقني و الجزء الآخر بالتراث الإعلامي المتراكم و الممارسات الميدانية عبر فترات زمنية متعاقبة .
.   نظريّة الحس العام : و هي تلك التي تصدر من التركيبة الاجتماعية المُحيطة بالوسيلة الاعلامية فكل فرد في نسيجه الاجتماعي و وفق مُعتقداته و تمثلاته و خلفياته الثقافية و التارخية و اللغوية يتبنى أفكـــــــــــــــارا حول الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها المضامين الإعلاميّة التي يتلقاها بشكل مستمر .
و لابد من القول بأن هذه الأفكــــــــــــــار تمكن الفرد من التعامل مع وسائل الإعلام و الإتصال فعلى الرغم من أن هذه النظريّة غير قائمة بصفة واضحة إلا أنها تمثل أحد المصادر المهمة للمعايير و القواعد التي  تتحكم في عملية تلقي المضامين الإعلاميّة .
.    النظريّة العلميّة : و تعد هذه الأخيرة أكثر النظريات وضوحا و تناسقا ، فهي ناتجة عن المعرفة الواعيّة للملاحظ العلميّ الذي يحـــــــــــــــاولُ أن يعمم إنطلاقا من الأدلّة و الملاحظاتِ التي يجمعها حول طبيعة و تأثيراتِ وسائل الإعلام و كذا وظائفها و أدوارها و الرسائل التي تمررها ... هلم جر .
و لعل من الجليّ أن مصدر هذه الأفكار هم المفكــــــــــــــــــرون و الباحثون في حقل علوم الإعلام و الإتصال بشكل خاص و أولائك الذين يحسبون على حقلي العلوم الإنسانية و الإجتماعيّة التي شكلت القاعدة النظريّة الأساس قبل أن يصبح هذا العلم متفردا بِمناهجهِ و مواضيعهِ و مفاهيمه بشكل عام .
  
2.1 . مراحلُ البحثِ في حقل علوم الإعلام و الاتصال

إن اعتبار المعرفة رصيداً تراكمياً يزداد مع زيادة البحث و الإكتساب  أمرٌ يجعلنا نؤمن بأنَّ العلوم لا تنطلق من صحراء فكريّة  ، و إنّما هناك تراكم معرفي يدفعنا دائما للبحث في مواضيع جديدة أو حتىَّ زوايا جديدة من نفس المواضيع و  الوصول إلى الأهداف المنشودة و العمل على تكييف أدوات البحث و منهاجه العلمية مع طبيعة المواضيع يرُغمنا على المرورِ بمرحلتين أساسيتين تتمثلان في  :

1.2.1. المرحلةُ الفلسفيّة :

إن نقطة الانطلاقة الرئيسة لأية مرحلةٍ فلسفية تعود بالضرورة إلى تواجد تراكم معرفي مُهم ،  هذا الأخير يضعنا حتماً أمام عجزٍ في التعامل مع طبيعة المواضيع كونهُ يمنحنا نضجاً معرفياً أكثر مما يَفتّح تفكيرنا على  مواضيع أكثر تعقيداً و هذا ما سيصعب علينا استخدام مختلف أدوات البحث و منهاجه العلمية المتاحة مما يجرنا إلى الدخول في مرحلة فلسفية نعمل من خلالها كما يذهب إليه الباحث أحمد بن مرسلي على "تحديد اهتمامات أساسية و جديدة ، عبر تكوين مفاهيم عامة ، و إعادة النظر في الافتراضات الأساسية المعروفة و كذا مناهج البحث و أدواته المستخدمة في جمع المعلومات" [8] .

و ما يجدر التنويه إليه في هذه المرحلة  أنّ هذا النموذج التطوري كما يؤكد أحمد بن مرسلي كان موجودا في جهودِ  كل العلوم على إختلاف أنواعها  إلا أنّه  طُبِق على أبحاث علوم الإعلام و الإتصال فيما يتعلق بالأبحاث الإنسانية التي تناولت نشاط الإنسان بشكل عام و هذا ما قام به أرسطو ( 384-322 ق م) عندما أقدم على  تفسير عملية الإتصال بين الأفراد و الجماعات في كتابه فن البلاغة [9].

2.2.1. المرحلةُ التجريبيّة  :

يرَجعُ إنتقال علوم الإعلام و الاتصال إلى المرحلة التجريبية نتيجة  لإنتقال البحث العلمي في العلوم الاجتماعية و الإنسانيّة عُموما من  المرحلة الفلسفية التي تقومُ على التأمل العقلي و الحدسِ و التخمين إلى مرحلة ِ التجربة .
و قد جاء إنتقال العلوم الإجتماعيّة إلى هذه المرحلة كنتيجة لظهور الثورة الصناعية و كذا مجتمعات المدن الكبرى و ما تخلّف عنها من مشاكل و آفات إجتماعية إستدعت البحثَ و الدراسة .

 و بعد تطبيق المناهج التجريبية في ميدان العلوم الإجتماعية بدأت المرحلة التجريبية لأبحاث علوم الإعلام و الإتصال و ذلك إبتداءا من سنة 1930 م على يد عالم السياسة و الإعلام  Harold Dwight Lasswell [10] عندما أقدم هذا الأخير كما سنوضحه لاحقا في موطن آخر من مواطن البحث على  تحليل مضامين الرسائل الدعائية معتمدا في ذلك على منهج تحليل المضمون بأسلوبه الكمي الحالي الأمر الذي  أحدث  طفرة نوعية غيَّر من خلالها  الباحث نوعيّة و طريقة البحث في هذا الحقل لتتراكمَ الجهودُ الممثالة فيما بعد .

        و يتم في المرحلة التجريبيّة   إختبار ما تم الاتفاق عليه من قبل الباحثين في المرحلة الفلسفية  و من ثم الجزم في صحته أو خطأه خلال تطبيق أدوات و مناهج البحث العلمي التي تقدم المعلومات و الحقائق ، و إذا ما تم التوصل إلى نتائج جديدة ، دقيقة و صحيحة سيكون باستطاعة الباحث في هذه المرحلة صياغة نظريات علمية جديدة تساعد على إثراء آفاقِ البحث ، على الرغم من أنّ تلك النتائج الجديدة ستطرحُ أمامَ الباحث نفس المشكل الذي واجهه في المرحلة الفلسفية و المتمثل في عجز الأدوات و المناهجِ المتاحةِ  لمعالجة المواضيع  الجديدة محل الدراسة و البحث ، و لأن ّالنظرية في حدّ ذاتها عبارة عن تراكم معرفي و الوصول إلى صياغة هذه الأخيرة يعني الارتقاء في التفكير و السعي إلى معالجة مواضيع أكثر تعقيدا تُصبح المناهج و الأدوات المتاحة غير قادرة على معالجة المواضيع المعقدة الناتجة و هنا يعاود الباحث الدخول في المرحلة الفلسفية ليعمل على إعادة النظر في كل ما تم تحديده سابقا  و لكن بمعارف أكثر ثراءً مقارنة بما كانت عليه .


  3.1. العوامـــــــــــــــل التي ساهمت في ظهور المجالات المُختلفة في دراسة الإتصال الجماهيري
1.3.1. العامل السياسيّ :

لقد أدّت الدعاية المصممة تصميما دقيقا أثناء الحروب إلى تعلق الأمة بالقصص الإخبارية و الصور و الأفلام و الأسطونات و الخطب و الكتـــــــــبِ و الإعلانات و الشائعات .

و كان يتعينُ على الناس أن يكرهوا العدو و أن يحبوا بلادهم و أن يزيدوا إسهامهم في المجهود الحربي لأقصى درجة فلم يكن على القيادات العليا الإعتماد على أداء ذلك طواعيّة ، فأصبحت الوسائل الإعلاميّة هي الأدوات الرئيسية لإقـــــــــــــــناع الناس بالإقدام على ما يخدم الصالح الحربي .

و كما ذهب كل من ملفين ديفلر و ساندرا بول روكيتش فإنَّ إنــــــــــــــــــــتشار هذا الأسلوبِ الذي ساهم في إقناع الناس بهذه الطريقة جاء في وقتٍ كان الناس يعيشون بالبرآءة الواضحة بل و يردف الباحثان أن كلمة " دعـــــــــــــــــاية " لم يكن معناها مفهوما آنذاك عند المواطن العادي حتّى.[11]

و في إطار التأثير اللامتناهي لهذه الدعاية منذ شيوعها سنة 1915 م إجتهد العديد من الباحثين في تحليل مضامين الرسائل الدعائية و في مقدمة هؤلاء عالم السياسة و الإعلام الشهير Harold Dwight Lasswell    الذي تعامل معها بكثير من الموضوعيّة ليكلل بذلك جهده سنة 1927 م بأول كتاب حول تقنيات الدعاية .

و في أثناء الحرب العالمية الثانيّة إستدعت الحكومة الأمريكيّة نُخبة من الباحثين بغرض كشف خبايا الدعاية النازية التي كان يقوم على أمورها وزير الدعاية  Paul Joseph Goebbels ثم بعدها الدعاية الشيوعية مع تأسيس معهد الدراسات الدعائية بأمريكا Institute of propaganda analysis  .

2.3.1 . العامل الثقافيّ : _ الإشكالية الثقافيّة _

مع ظهور وسائل الإتصال الجماهيريّة إتُهِمت هذه الاخيرة بمسؤوليّة :
.  تدهور المستوى في الذوق الثقافي العام .
. زيادة معدلات اللامبلاة و الميل إلى إنتهاك القانون .
.   قتل و قمع فردانيّة الفرد .
.   قمع القدرة على الخلق و الإبتكار .
.   تشجيع الجماهير على السطحيّة السياسيّة .
.   توقيف سرعة تطور المجتمع الجماهيري .
و ذلك أنه حسب الصفوة البارزة وسائلُ الاعلام هي المسؤولة عن رداءة الذوق أو أنها العامل المُحفز على زيادة إرتكاب الجريمة و الشذوذ الجنسي و تدهور الملكات الفرديّة و على إختفاء المعايير الاخلاقيّة للمجتمع بشكل عام .
و إنتقدت وسائل الإعلام بشكل كبير في نشرها أو بثها لصور و أعمال الدعارة و العنف و المحتوى الترفيهي ذو المضمون التافه ، و إذاعة الأنباء السطحيّة و التملق السياسي و الإعلانات المثيرة للكآبة و الموسيقى التي لا معنى لها ، كل هذه المواقف ساهمت في ظهور دراسات و بحوث عديدة حول التأثير السلبي لوسائل الإعلام على الثقافة و السلوك في المجتمع .[12]

3.3.1. العامــــل التجاري الإقتصادي :

عندما كانت الجرائد المصدر الأساسي للإشهار لم تكن هناك حاجة ماسىة للبحث عن الجمهور المتلقي كما يؤكد الأستاذ الباحث عزيز لعبان ، ذلك أن إمكانية ظبط أعداد المستهلكين من خلال بيانات السحب و التوزيع كانت كافيّة إلى حد ما كقاعدة لمعرفة ضخامة أو ضآلة الجمهور القارىء .

لكن مع ظهور الإذاعة إلى ميدان الإتصال الجماهيري أصبح من المستحيل التدقيق في معرفة هذا الجمهور و أنماط إستهلاكه فأصبح من الضروري بالنسبة للمؤسسات التجارية آنذاك حشدُ الإمكانيات لدعم بحوث الجمهور المتلقي الجديد ( كيفيّة إستهلاكه و أنماطها ، المواد التي يرغب في إقتنائها ، إحتياجاته الثقافية .. إلخ ) .[13]


4.3.1. العامل الأكاديمي :

 لقد كــــــــــــــان لتطور طرقِ و أدواتِ البحث في حقل العلوم الإجتماعية الاثر الكبير في بروز البحثِ في الدوائر المعرفية لعلوم الإعلام و الإتصال و ذلك مع تطور مناهجِ البحث و طرقِ إعداد الإستفتاء و إستحداث آلات لإخراج النتائج بسرعة و تلخيص كميات هائلة من المعلومات و كذا تطور أساليب القياس الحديثة و تطور التكنولوجيات التي سمحت للمتلقي بالنفوذِ إلى قيم جديدة غير تلكَ التي يضِجُ بها مُجتمعه .[14]

2       . مجالاتُ البحث في حقل علومِ الإعلام و الإتصــــــــــــــال
تمثل أبحـــــــــــــــاثُ الإعلام و الإتصال بُعدا مهما و مجالا أساسيا في الدراساتِ الإجتماعية و الإنسانيّة المُختلفة بإعتبار أن علوم الإعلام و الاتصالِ كما ذكرنا في موطنٍ سابقٍ جاءت بالأساسِ نتيجة لإلتقاء جهود الباحثين من ميادين متعددة ، و بحُكمِ تنوع الأصول التاريخيّة و الفلسفيّة الفكريّة لهذا العلم تعددت بطبيعة الحـــــــــال الإتجاهاتُ و المجالات البحثيّة التي إنعكفت على دراسةِ الظواهر المتعلقة به .

في هذه النقطة بالتحديد يطرحُ لنا  الباحثان الكنديان Alain Laramèe و Bernard Vallèe ثلاثة مجالات  بحثيّة رئيسة نوضِحُها فيما يلي :

                1.2.            الدراسات التي تُعنى بالجوانب الإجتماعية و الثقافيّة لوسائل الإعلام و الإتصال :
( Les aspects sociaux et culturels des medias d’information et de communication )

و يتم في هذا المجال دراسة و معالجة تأثير و أدوار وسائلِ الإتصال الجماهيريّة الكُبرى على غرار الإذاعة و التلفزيون و الصحـــــــــــافة المكتوبة و السنيما و كذا يتناول بالدراسة و التحليل و البحث الوسائط التكنولوجيّة الجديدة نسبيا مثل الحاسوب و شبكة الأنترنت و غيرها من الوسائل ذات التقنيّة العالية .

و يتركزُ إهتمام الباحثين المشتغلين في هذا المجال بالإستخدامات و الإشباعات الفردية للمتلقين و كذا الأثر الذي يخلقه هذا التناولُ على آرائهم و أفكارهم و أساليبهم الإجتماعيّة و الثقافيّة الفكريّة ، و هذه البحوث هي ما يندرج في إطار ما يسمى بدراسات الوســــــــــــــيلة أو القناة CANAL .[15]

و يفترضُ الباحثون في هذا المجال كما يذهب إليه  Alain Laramèe و Bernard Valleè   بأن وسائل الإتصال الجماهيريّة تهدف إلى التأثير على المتلقين ما قد يفرز تغييرات في الأراء و العادات و السلوكيات ، هذا الأمر شجع بشكل حثيث على تطوير العديد من النماذج العلميّة التي تتناول سيرورة تأثير الرسائل الإعلاميّة على الأفراد في المجتمع .

« Les chercheurs ont supposé que les médias de masse provoquaient des effets chez les dentinaires , c’est-à- dire des changements d’opinions , de comportements et d’attitudes . on a donc développé plusieurs modèles pour interpréter les  effets des messages médiatisés sur les membres  de société ».( Alain Laramèe, Bernard Valleè  )[16]

و في سرد مقتضب عن أهم النماذج التي ذكرها الباحثان و التي ظهرت في هذا المجــــــــــــــــال بالذات نذكر" النموذج السلوكي Paradigme behavioriste   " هذا الأخير ظهر بشكل قويّ إثر تبعات الحرب العالميّة الأولى و التي إستعملت فيها الأطرافُ المتنازعة وسيلة الدعاية و الدعاية المضادة من خلال الصحافة المكتوبة و القنوات الإذاعيّة و السينما و غيرها كما ذكرنا سالفا .[17]

و يعتمد هذا النموذج الذي جاء به المحلل النفسي و عالم السياسة و الإعلام Harold Dwight Lasswell      على ثنائية المثير و الإستجابة و يتمظهر هذا النموذج عندما يركز لاسويل على الوظيفة التأثيريّة ، أي التأثير على المُتلقي بغرضِ تغييرِ سلوكهِ إيجابا أو سلبا و هنا نعود دائما إلى عناصر العملية الإتصالية و التي يرتكز عليها هذا النموذج :[18]
من ؟
ما يقول ؟
كيف ؟
لمن ؟
ما الأثر ؟
المرسل
الرسالة
القناة
المستقبل
الأثر

تيارٌ آخر ظهر في ذات المجال إبــــــــــــــان القرن الماضي يتمثل في الُمقاربة السلوكيّة المنهجية – الإمبريقيّة -            Approche behavioriste par la  méthodologie   [19]و التي تقوم على عمليّة قياس الظواهر و تكميم نتائج البحوث من خلال سبر الآراء و التحقيقات .. إلخ ، و يتغذى هذا الإتجاه من أفكار R.Merton  و C.R.wright  بالإضافة إلى Harold Dwight Lasswell   .[20]

« Les tenants de ce courant ont eu recours à des données empiriques, dont les sondages et les enquêtes pour évaluer les effets des médias " ».( Alain Laramèe, Bernard Valleè  )[21]

في آن الوقت ظهر تيار جديد في دوائر علوم الإعلام و الإتصال ، و كان هذَا الأخير في دراساتهِ أكثر تشديدا على الجانب النفسي و الإجتماعي للمتلقي ، إذا قـــــــــــــــــام بتحويلِ مسار البحوث من دراسة تلقي الفرد بشكل منفصل L’individu isolé  إلى دراسته ضمن الجماعات الصغيرة التي ينتمي إليها و التي يستطيع فيها أن يؤثر و يتأثر  إجتماعيا بشكل واضـــــــــــــح ، و هنا ظهر نموذجان أساسيان حسب Alain Laramèe و Bernard Valleè  و هما نموذج – نظريّة – التدفق على مرحلتين two- step flow communication  و نظريّة الإستخدمات و الإشباعات uses and gratification  و قد خلصت فروض هذه الإجتهادات إلى محدوديّة تأثير وسائل الإعلام مقارنة بأهميّة و دور المُتلقي في تحديدِ سياستها و مضامينها .

و في سياق متصل يقول Alain Laramèe و Bernard Valleè :

« dans les années soixante , alors que la communauté scientifique acceptait l’idée selon laquelle les médias de masse n’avaient que peu d’effets , il y a eu un mouvement inverse et on a reconsidéré la nation d’effet ".   ( Alain Laramèe, Bernard Valleè  )[22]

و يردفـــــــــــــــــــــان :
« on ajoute alors des éléments aux premiers modèles et on analyse les effets concernant les systèmes de valeurs , les croyances et les comportements en société. "  ( Alain Laramèe, Bernard Valleè  )[23]

وفق ما سبق تعود نظريات التأثير إلى الواجهة مرة أخرى من خلالِ العديد من المقاربات على غرار l’agenda setting  التي تفترض أنه أثناء عملية صنع الخبر و المضمون الإعلامي تقوم وسائل الإعلام المختلفة بإختيارِ بعضٍ من القضايا التي تخدم مراميها و ذلك من بين الكم الهائل من الأخبار و القضايا الموجودة على الســـــــــــــــاحة .

هذا و قد شاعت مع إنتشار تكنولوجيات وسائل الإعلام و الإتصال الحديثة العديد من الدراسات التي تبحث في تلقي الأشخاص المرتبطين بشكل حثيث بالحواسيب و التقنيات الحديثة و قواعد المعطيات و البريد الإلكتروني و أجيال الهاتف .. إلخ و التي تتميز ب‘تصال متشابك يستدعي الدراسة و البحث .[24]

           2.2.        دراسات مُحتوى وسائل الإعلام : Le contenu des messages médiatisés
و يعالجُ هذا المجــــــــــــــــــالُ البحثي جانبا آخر من جوانبِ العناصر الإتصالية و المتمثل في عنصر الرسالة ،
«  les études dans cet axe de recherche , se concentrent sur le message perçu comme une production de sens » . ".   ( Alain Laramèe, Bernard Valleè  )[25]

و قد جاء هذا المجال وليدة للحاجة الماسة التي فرضتها منهجية علوم الإعلام و الإتصال و تعقيداتها منذ بواكير القرن العشرين و تحديدا مع طُغيان الصفة الجماهيرية عبر وسائل الإعلام .[26]و كما يقول Alain Laramèe و Bernard Valleè دائما إن وضوح الرسالة الإعلاميّة قد لا يكون فوريا و سريعا [27]، و منه فإن بحوث الرسالة تهدف بالأساسِ إلى الكشف عن المعاني المضمرة في النصوص محل التحليل و التي تخفي نزرا كبيرا من القيم و المرامي .

و يتجهُ البحثُ في هذا المجال إلى إتجهاين أساسين و هما :
Ø     تحليل المُحتوى التقليدي L’analyse de contenu traditionnelle  .
Ø     التحليل السيميولوجي analyse sémiologique   l’ .
أما عن بحوث تحليل المضمون التقليدية فهي تلك البحوثُ التي تهدف إلى الكشفِ عن القصد التبليغي المضمر في النصوص و المعاني المُختلفة التي تحملها هذه الأخيرة على إختلاف القوالب الصحفيّة أو الشاكلات التي قد يتشكل على هيئتها النص .[28] 

و كما ذكرنا سالفا تتسقُ بحوثُ تحليل المحتوى إتساقا وثيقا و محوريا بالرسالة message  و التي نعني بها النتاج أو القيم أو الأفكار التي يراد توصيلها إلى أذهان المتلقين من خلالِ التتابع الرمزي و الدلالي .

هذا و قد كـــــــــــانت جهود الباحثين والتر ليبمان و تشارلز ميرز أثناء قيامهما بتحليل مضمون عينة من المادة الإخبارية المنشورة في جريدة التايمز الأمريكيّة عشرينيات القرن الماضي إحدى أهم المُحاولات الأولى في هذا المجال.[29]
 أما عن المنظور التحليلي الثاني  و المتمثل في التحليل السيميولوجي فإنه لا مراء أن وسائل الإعلام تنقل و أحيانا تخلق فيضا من العلامات و الرموز ، الأمر  الذي دفع بالباحثين إلى الإهتمام بما يسمى دراسات سيميولوجيا الخطاب الإعلامي ، و في إطار مُحاولات الإجابة على السؤال الأساسي الذي كان دائرا في الدوائر المعرفية سنوات الأربعينيات و المتمثل في هل سيميولوجيا الصورة مجرد نقل حرفي مباشر لمفاهيم اللسانيات مُطَبَق ٍعلى النماذج البصرية ؟ تطورت مناهج تحليل الصورة بالأخص الإشهارية إستنادا إلى أعمال مجموعة من الباحثين على غرار ليسانيات دي سوسير و اعمال بول ريكور و أبحاث رولان بارت .. إلخ و التي تفاعلت مع بعضها و أنتجت الكثير من البحوث خاصة في خضم الإنتشار الواسع للصور التلفزيونية و التي أقيمت لأجلها الجهود بُغية ظبط علاقتها بالنص المصاحب من جهة و علاقتها بالواقع من جهة أخرى .[30]

3.2. الإتصال التنظيمي La communication organisationnelle

حيث يعمل هذا النوع من الإتصال على ضمان تفاعل و ترابط العناصر المكونة للمؤسسة و قد أثمرت الإجتهادت البحثية في مجال هذا الإتصال نموذجين أساسيين و هما :

.    النموذج الوظيفي le paradigme fonctionnaliste .
 النموذج التفسيري le paradigme interprétatif   .
و يقوم الأول على أن المُؤسسة عبارة عن منظومة متناسقة يعمل الإتصال المؤسساتي على الجمع بين الأطراف الفاعلة فيها بغية تحقيق الأهداف الإستراتجية للتنظيم أمـــــــــــــــــا الثاني فيختلف على حد قول Alain Laramèe و Bernard Valleè   حيث يعتمد هذا النموذج على دراسة الطريقة التي يعتمدها الأفراد في  إعطاءٍ معاني للعالم المُحيط بهم عبر سلوكياتهم الإتصالية .

« la réalité de l’organisation est donc construite par  les signification que lui attribuent les individus » ( Alain Laramèe, Bernard Valleè  )[31].

    3.     إتجاهات الأبحاث الإعلاميّة و الإتصاليّة
              1.3.           الاتجاه السياسي لأبحاث علوم الإعلام و الإتصال :
تعود الجذور الأولى للإتجاه السياسي في أبحاث ِ علوم الإعلام و الاتصال إلى ما عمل على إنتاجهِ   الباحث السياسي Harold Dwight Lasswell      في مدرسة الصحافة بجامعة كلومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية سنة   1930 م معتمدا في ذلك على أسلوب تحليل المضمون الكمي بأسلوبه الحالي و هذا بهدف كشف الدعاية النازية التي كان يقوم عليها  وزير الدعاية الخارجية '' قوبلز'' خلال فترة الحرب العالمية الأولى و من هذا المنطلق أصبح لأبحاث علوم الإعلام و الاتصال  إتجاه سياسي بإعتبار أن الرسائل التي عمل لاسويل على تحليلها تمثل في حقيقة الأمر مادةً إعلامية إلاّ أن مضمونها المضمر عبارة عن محتوى سياسي محض .

و بالإضافة إلى جهودِ Lasswell في تحليل مضامين الرسائل الدعاية ، عمل كذلك على دراسةِ القائمين بالإتصال و المنحصرين في رجال السياسة ، و كذا كل ما يندرج ضمن المواضيع السياسية التي لها علاقة بما تقدمه وسائل الإعلام مثل ما تقده من تحليل للمواضيع في مرحلة الإنتخابات ، و كذا ملكية وسائل الإعلام و عوامل السيطرة عليها ...الخ.

                    2.3.           الاتجاه السيكولوجي الإجتماعي  لأبحاث علوم الإعلام و الإتصال :
لقد اتجهت علوم الإعلام و الإتصال نحو منحى العلوم السيكولوجية الاجتماعية عندما قام الباحثون  بدراسة علاقة وسائل الإعلام بالمجتمع على غرار جهود كل من ''بول لازرسفيلد '' و'' كارت لوين '' و كذا '' كارل هوفلاند'' باعتبارهم من أهم رواد المدرسة الإمبريقية إذ اهتموا بالوظائف التي تقوم بها هذه الأخيرة في المجتمع معتمدين على الأسلوب الكمي .
و إن من بين ما قام به ''بول لازرسفيلد'' إجراءه دراسة قياسِية لآراء جماهير وسائل الإعلام ركزّ فيها على وسيلة الراديو حيث طمح من خلال ذلك إلى الوصول لنتائج كمية مضبوطة بخصوص الإستماع لهذه الوسيلة .
كما حاول معرفة البرامج الأكثر إلتقاطاً من قبل الجماهير و سبب ميول هذه الأخيرة إلى الإستماع لبرنامج إذاعي دون غيره بالاضافة إلى ما قامت به هيرتا هرزوق سنة   1942م لما حاولت معرفة سبب استماع الجمهور الأمريكي للبرنامج الإذاعي ''كويز '' و كذا المسلسلات الصابونية آنذاك  و لقد دفع كل تلك البحوث و الدراسات إلى ظهور نظرية (الاستخدامات و الإشباعات) على يدْ (ماكويل و وماكمبس و بلومر ) سنة 1956م و هذا دليل على أنّ المعرفة تراكمية ، و على هذا الأساس  قام الباحث  ''كاتز'' بطرح سؤاله الشهير الذي يقول ليس ماذا تفعل وسائل الإعلام بالناس و إنما ماذا يفعل الناس بوسائل الإعلام ؟.
كما قام بول لازرسفيلد بدراسة تأثير مضامين البرامج الإذاعية على العادات الإجتماعية للجماهير و كذا مدى تأثير هذه الأخيرة على  سلوكياتهم الإنتخابية لتقوم هذه البحوث مرة أخرى بالتحضير لولادة نظرية جديدة لنفس الباحث و زميله إيلهو كاتز سنة 1940م و التي  تحمل إسم ( تدفق الإتصال عبر مرحلتين ) و لقد عملوا من خلالها على دراسة العوامل التي تحدّد السلوك الإنتخابي للجماهير هل أنّ هذه الأخيرة تعتمد عل الحملات الإنتخابية التي نقدمها وسائل الإعلام( الصحافة المكتوبة و الإذاعة ) لتحديد سلوكياتها الإنتخابية ؟ امْ أنّها تعتمد على بعض قادات الرأي للقيام بذلك ؟.
أمّا فيما يتعلق بالباحث ''كارت لوين '' فنجد أنّه ركّز على دراسة حركية الجماعة و الإتصال فيها و تأثير هذه الأخيره على تصرفات أعضائها[32]

بينما قام ''كارل هوفلاند '' بدراسة علاقة الإتصال بتغيير الإتجاهات داخل الجيش الأمريكي بداية من سنة 1942م ليواصل جهوده العلمية بموافقة من الجيش الأمريكي و يتوصل إلى نتيجة تنصُّ على تمكّن العملية الإتصالية  من تغيير متغير واحد فقط مع الحفاظ على باقي المتغيرات الأخرى .[33]

  و إنّ اعتبار العملية الإتصالية نشاطاً إنساني كما سبق ذكره يحلنا إلى تأكيد فكرة تنوّع اتجاهات البحث في علوم الإعلام و الإتصال مما دفع إلى ظهور تيارات أخرى تندرج ضمن إطار العلمين السابقين و التي جاءت على لسان ''الباحث برلسن '' كما يلي[34] :

.   التيار الإصلاحيّ يهتم التيار الإصلاحي بالجوانب المتعلقة بالتنظيم و التكوين و السيطرة على وسائل الإعلام و بكل ما له علاقة بالسياسة العامة لهذه الأخيرة . و هي الجوانب مأخودة مباشرة من تقرير لجنة حرية الصحافة الأمريكية ،المشكلة سنة 1947م حيث حظي ما تضمنه هذا التقرير من نتائج بإهتمام معاهد الأعلام آنذاك .
.    التيار التارخيّ يشمل التيار التاريخي كل الدراسات ،التي قامت بالتأريخ لحياة رجال الإتّصال ، و لوسائل الإعلام مثل ما قام به ''ديفد رايسمان'' و ''هارولد انيس'' و غيرهما من الباحثين الآخرين .
.   التيار الصحفي :هو التيار الصّحفي على مستوى معاهد الصّحافة و مراكز أبحاث الإتّصال التي سعت من خلال نشاطها البحثي إلى التعرف على جوانب السيطرة على وسائل الإعلام ، و على خصائص القائم بالإتصال إلى جانب اهتمامات علمية أخرى ،حيث شاركها هذا النشاط العلمي العديد من الباحثين ،الذين كان لهم نفس الإهتمام العلمي .خاصة منهم الباحث ''ولبر شرام''.
.  التيار الذي يدرسة فلسفة اللغة و المعاني : يهتم تيار فلسفة اللغة و المعاني بموضوعات قياس المعاني و الاتجاهات السلوكية اللّغوية و بدراسة تطبيق نظرية المعلومات على الإتّصال الإنساني .حيث كانت هذه الموضوعات محل اهتمام العديد من الدارسين المنتمين الى تخصصات الفلسفة و الأنثرلوجيا و اللغة ،و علم النفس ،و الرياضيات ...الخ.
.     تيار شبكات الإتصال : يتخصص تيار شبكات الإتّصال في دراسة موضوع البث الإعلامي عبر الأثير منطلقا في ذلك من مبدأ نظام التوزيع العصبي في جسم الإنسان .


        3       . أنواعُ البُحوث في حقلِ الإعلامِ و الإتصال
نتبنى في هذا العُنصر مُستوياتِ البحثِ العلمي التي جاء بها  Maurice Duverger   و المُتمثلةِ في ما يلي :

1.3.البحوثُ الإستكشافيّة : _ الإستطـــــلاعيّة _
« Definitions of scoping studies are few and far between. At a general level, scoping studies
might ‘aim to map rapidly the key concepts underpinning a research area and the main sources and types of evidence available, and can be undertaken as stand-alone projects in their own right, especially where an area is complex or has not been reviewed comprehensively before “ (Arksey, H. and O'Malley, L.)[35]


الدراسة الإستطلاعيّة أو الكشفيّة هي تلك البحوث التي تهدفُ إلى إستطلاعِ الظروفِ المُحيطةِ بالظاهرة و الكشفِ عن جوانبها و أبعادها ، هذا و يُسمى هذا النوعُ من الدراساتِ في بعض الأحايين بالدراسات الصياغيّة من منطلقِ أنَّه يساعد الباحثَ على صياغةِ مشكلة بحث ما صياغة دقيقة إستهلالا و تيسيرا للبحثِ فيها بشكلٍ متعمقٍ في المراحلِ الأخرى .
و يؤكد الأكاديمي  أحمد بن مرسلي أنَّ الباحث يلجأ لــــــــــــِهذا النوعِ من الدراسات  لتذليلِ الصعوباتِ التي يواجهها على مستوى إستكشافِ الظواهر أو التعرف  عليها بصورة أكبر بعد إستكشافها غير الكامل على حد قوله .[36]



                      3.2.           البُحوث الوصفية :
يذهبُ كل من   Alain Laramèeو Bernard Vallèe   إلى أنه على خلافِ الدراسات الإستطلاعية التي تسعى إلى إكتشافِ الظاهرة و إلقاء الضوء عليها فإن الدراساتِ الوصفية تركز على تعليلِ و شرحِ مختلف الجوانب الملاحظة في هذه الأخيرة ، و هذا الأمر ليس يسيرا أبدا لأنه من أجل وصفِ الظاهرة أو الحدثِ لابد من تجنبِ الأخطاء المنهجيّة و ضمان مصداقيّة و صحة المعطيات و البيانات المتوفرة و لا يُمكن ذلك إلا حينما نصلُ إلى نتائجَ متماثلة من خلاِل  تكرار المنهج المتبنى مرة أخرى .

هذا من جهة من جهة أخرى يستلزم هذا النوع من الدراسات تراكما معرفيّا مسبقا حول الظاهرة المدروسة و وضوحا تاما فيما يريد الباحثُ قياسه.[37]

و عُموما إن الدراساتِ الوصفية لا تقتصر على جمعِ البياناتِ و المعلومات بل تتعدى ذلكَ إلى معالجة المُعطياتِ منهجيا و إستخلاصِ النتائجِ طبقا لأهداف البحث و ما يرمي الوصول إليهِ من خلالِ الوصف الكمي و الكيفي للظواهر المُختلفة .

     3.3. بُحوثُ العلاقات المُتبــــــــادلة : _ العلاقاتُ السببية بين المتغيرات _

" هناك من الباحثين من يرى أن الدراساتِ الوصفيّة لا تتوقفُ عند الحدود البحثية المُشارِ إليها ، بل تتعداها إلى ما هو أعمق من ذلك و المُتمثل في دراسة العلاقات المتبادلة أو ما يُعرف أيضا في البحث العلمي بالدراساتِ التشخصيّة التي تقومُ على دراسة العلاقات بين الحقائقِ التي يتم الحُصول عليها في شكلِ نتائج من أجلِ تشخيصِ الأسباب المؤدية إلى حدوث الظاهرة  تمهيدا  لتغيير هذه العوامل من أجلِ توجيهِ هذه الأخيرة تَحَكميّا نحو الإتجاه المرغوب فيهِ .. " ( أحمد بن مرسلي )[38]

و يَجدر القولُ أن هذه الأبحاثَ تُمثل مرحلة النضوج المنهجي و العلميّ لدى الباحث بإعتبار أنّه ينتقلُ من مرحلةِ الإستكشافِ و الوصفِ و التصويرِ إلى دراسةِ أهم العوامل التي أوجدت الظاهرة في الحالة التي هي عليها .
و يَذهبُ أحمد بن مرسلي دائما إلى أنَّ عمليّة دراسة أبحاثِ إختبار العلاقات السببيّة في حقل علوم الإعلام و الإتصال عمليّة معقدة جدا بإعتبار أنها تتناولُ بالبحثِ و الدراسةِ ظواهرَ انسانيّة و إجتماعيّة متعددة و متحركة غير ثابتة و بالتالي تتشعبُ العواملُ لدرجة يصعبُ فيها تحديد تلكَ المُؤثرة في الظاهرة .[39]



" إن قدرتنا المثيرة للإعجاب في الوقتِ الراهن على بثِ الرسائل بشكل فوري عبر المسافات الشاسعة ، و إثارة المعاني المتشابهة لدى ملايين البشر في نفسِ الوقت ، تعد أمرا مألوفا بالنسبة لنا جميعا لدرجة أنه يسهلُ النظر إليها بنوع من اللامبلاة ، و رغم ذلكَ فإنّ ما نفعله اليوم عندما نتصفحُ الجريدة  أو ندير مؤشر الراديو أو نذهبُ إلى دار السينما أو نشاهد التلفزيون يمثل بالفعلِ تغييرا هائلاً و غير عاديّ في سلوك الاتصال الإنساني إذا نظرنا إليه في إطـــــــــــار الحياة الإنسانيّة التي كانت سائدة في العصور الغابرة "( ملفين ديفلير و ساندرا بول روكيتش)
في عرضنا هذا حاولنا أن نقدم صورة مقتضبة عن البحثِ في علوم الإعلامِ و الإتصال و التي تناولت بالدراسة و البحث و بكثير من الجهد التحليلي ظاهرة هذا التغيير المهم و البارز في المُجتمعات الإنسانية ، معتمدين في بحثنا على نزر مهم من الإقتباسات و الأفكار التي تساعدُ في تبيان التطور الحاصلِ في مجال هذا البحث و كذا مختلف ما شاع عنه من حديث و تأريخ .



  عبد الرحمان الواصل ، البحث العلمي : خطواته و مراحله ، أساليبه و مناهجه ، أدواته و وسائله ، وأصول كتابته ( السعودية : إدارة التعليم في[1]
محافظة عنيزة ، 1999 ) ، ص 5.
[2] موريس أنجرس ، تعريب شويب صحرواي ، كمال بوشرف ، سعيد سبعون ، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانيّة : تدريبات عمليّة
( الجزائر : دار القصبة للنشر و التوزيع ، 2004 ) ، ص 70.
 أحمد بدر ، أصول البحث العلميّ و مناهجه ( الكويت : وكالة المطبوعات ، 1973 ) ، ص 18 .[3]
[4]  أحمد عظيمي ، منهجية كتابة المذكرات و أطروحات الدكتوراه في علوم الإعلام و الإتصال ( الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعيّة ، 2009 ) ، ص 19 – 20.
[5]  أحمد بن مرسلي ، الأسس العلميّة لبحوثِ الإعلام و الاتصال ( الجزائر ، الورسم للنشر و التوزيع ، ط 1 ، 2013) ، ص 9 – 10.
 أحمد بن مرسلي ، مناهج البحثِ العلميّ في علوم الإعلام و الإتصال ( الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعيّة ، ط 2 ، 2005 ) ، ص 14 .[6]
 مصطفى فؤاد عبيد ، مهارات البحث العلميّ ( فلسطين : أكاديمية الدراسات العالميّة ، 2003 ) ، ص 4.[7]
[8]  أحمد بن مرسلي ، مرجع سبق ذكره ، ص 26
[9]  نفس المرجع السابق، ص27.
[10]  أحمد بن مرسلي ، مرجع سبق ذكره ، ص 30.
 ملفين . ل ديفلير و ساندرا بـــول روكيتش ، تعريب : كمال عبد الرؤوف ، نظريات وسائل الإعلام ( القـــاهرة : الدار الدوليّة للإستثمارات [11]
الثقافية ، ط 4 ، 2002 ) ، ص 232.
 ملفين . ل ديفلير و ساندرا بـــول روكيتش ، تعريب : كمال عبد الرؤوف ، مرجع سبق ذكره ، ص 203.[12]
 عزيز لعبان ،علم الإجتماع الإعلامي في سياق البحوث الإجتماعية ، محاضرة في علم الإجتماع الإعلامي ، السنة الثانية جذع مشترك[13]
ليسانس ، قسم الإعلام و الإتصال ، كليّة العلوم السياسية و الإعلام ، جامعة الجزائر 3 ، 2011 – 2012.
[14]  عزيز لعبان ، مرجع سبق ذكره .
[15] Alain Laramèe . Bernard Vallèe ,La recherche en  communication   :éléments de méthodologie ( Canada : presses de l’université de Québec , 1991 ) , p 85.
[16] Ibid , p 86.
[17] Ibid 2  , p 86
 تاعوينات عليّ ، التواصل و التفاعل في الوسط المدرسي ( الجزائر : هيئة التأطير بالمعهد الوطني لتكوين مستخدمي التربيّة و تحسين مستواهم[18]
، 2009 ) ، ص 20.
[19]  Alain Laramèe . Bernard Vallèe , op. cit .p86.
  عزيز لعبان ، مرجع سبق ذكره .[20]
[21] Alain Laramèe . Bernard Vallèe , op. cit .p86.
[22] Ibid , p 87.
[23] Ibid 2  , p 87.
[24]  Ibid 3  , p 88.
[25] Ibid 4  , p 90.
[26]  كامل القيم ، المُحتوى الإعلامي و منهج تحليل المضمون ، مجلة الحـــــــــوار المتمدن ، العدد 1841 ، مارس ، 2007.
[27]  Alain Laramèe . Bernard Vallèe , op. cit .p90.

 ، Le monde فريال أوصيف ، بناء الصورة النمطية للمهاجر في الصحافة الفرنسية المكتوبة: دراسة تحليليّة لمضمون صحيفة    [28]
، مذكرة لنيل شهادة الليسانس في علوم الاعلام و الاتصال ، جامعة الجزائر 3 ، كلية علوم الاعلام و الاتصال ،2013  ، ص 7
 كامل القيم ، مرجع سبق ذكره .[29]
 مسعودة بنت مشري بايوسف ، سيميولوجيا الصورة ، محاضرة في السيميولوجيا ، قسم علوم الإعلام و الإتصال ، جامعة قاصدي مرباح ، [30]
الجزائر ، 2013 .
[31] Alain Laramèe . Bernard Vallèe , op. cit .p97.
[32] أحمد بن مرسلي ، مرجع سبق ذكره  ،ص44.
[33]  نفس المرجع السابق ،ص45.
[34] نفس المرجع السابق ،ص45-47.
[35]  Arksey, H. and O'Malley, L , Scoping studies: towards a methodological framework , International Journal
of Social Research Methodology, 8, 1, 19-32.
version electronic p 5.  
 أحمد بن مرسلي ، مرجع سبق ذكره ، ص 48 .[36]
[37] Alain Laramèe . Bernard Vallèe , op. cit .p255.
 أحمد بن مرسلي ، الأسس العلميّة لبحوثِ الإعلام و الاتصال ، مرجع سبق ذكره ، ص 107 .[38]
 أحمد بن مرسلي ، مناهج البحثِ العلميّ في علوم الإعلام و الإتصال ، مرجع سبق ذكره ، ص54 .[39]