الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

تاريخ الصحافة الفرنسيّة المكتوبة

إعداد : فريال أوصيف 
 الجزائر - 2013

« Née d’un besoin démocratique pour garantir l’expression du pluralisme des opinions,la presse d’information politique et générale a connu en France un développement parallèle à l’affermissement du régime républicain. Les cinquante dernières années du XXe siècle l’ont conduite à se repositionner dans le système d’information désormais dominé par la radio, la télévision et l’Internet. » [1]



 1 ـ   الصحافة الفرنسية في القرنين (  السابع عشر و الثامن عشر ) :
تعد فرنسا أول دولة أصدرت صحيفة رسمية في تاريخ الصحافة المكتوبة ، فبمجرد أن تقلد -  Cardinal de Richelieu زمام الحكم أدرك أهمية الصحافة و أثرها و فائدتها على الرأي العام فأوكل سنة 1631 م الى Théophraste Renaudot مهمة تأسيس أوّل أسبوعية فرنسية  de France La Gazette   وضمت هذه الأخيرة في بداياتها 4  صفحات فقط على مقاس 23 سم على وُزعَ منها ما يقارب 300 الى 800 نسخة أسبوعيا لتتطور بشكل فارق انطلاقا من سنة 1638 م اذ ارتفع عدد سحبها الى 1200 نسخة و عدد صفحاتها الى 12 صفحة .  [2]

  و كانت لا تنشر المقالات بل أخبارا من كل لون ، الداخلية منها و الخارجية ، بأسلوب مختصر و مقتضب على شاكلة الأخبار الموجزة التي تنشرها اليوميات في عصرنا الحالي ، و حذت معظم دول أوروبا حذو فرنسا فأنشأت صحفا رسمية [3]

و لعل من أبرز العوامل التي ساهمت بشكل جليّ في ميلاد الصحافة الدوريّة آنذاك ظهور احتياجات جديدة لأنواع حديثة من المعلومات و التي يمكن القول بأنها جاءت نتيجة لمخرجات عصر النهضة و الاصلاح و الاكتشافات الضخمة في المجال الصناعي الذي عرفته فرنسا فضلا عن الصراعات الكبيرة التي كان جيشُ هذه الأخيرة طرفا فيها ، هذا من جهة ، من جهة أخرى كان لاختراع آلة الطباعة الحديثة على يد الألماني Johannes Gutenberg  سنة 1438 م النزر الوفير من الفضل في رواج هذه الصحافة فيما بعد و الذي خلق فرصة الحصول على أكثر من نسخة للنص الواحد دون اعادة كتابتها يدويا ، و أخيرا انشاء أماكن خاصة للبيع جعلت من القابلية تقديم و توصيل الصحيفة للقراء .[4]

الا أنه و في القرن الثامن عشر و في الوقت الذي تمتعت  فيه الصحافة الانجليزية بحرية أقرها البرلمان  و وافق عليها رؤساء الأحزاب كانت الهوة فسيحة بين الصحافة الانجليزية التي تخلصت من الرقابة منذ عام 1695 م و بين صحافة القارة الأوروبية فبينما وصلت الأولى بعد نضال صعب الى تدعيم استقلالها و دعم حريتها بقيت الثانية في فرنسا على سبيل التحديد  باستثناء النشرات الاخبارية المطبوعة ( الغازينات ) خاضعة لأهواء و نزوات الرقابة و الحُكام فعانت هذه الأخيرة من الحجر من الحجر السياسي الذي فرضه عليها  النظام الملكي و كذا من الحجر التجاري الذي فرضه عليها احتكار بعض الصحف للمواد الصحفية على غرار احتكار  Mercur de France للأنباء الأوروبية و الاجتماعية  و صحيفة Gazette de France   للأخبار السياسية ، و Journal de Savane    الأخبار العلمية .

هذا الأمر ما انفك يخفت فيما بعد حينما بدأ الشعب الفرنسي بالتخلص من الوصاية  التي فُرضَت عليه أيام حكم " لويس الرابع عشر " و على الرغم من بقاء النظم و القوانين سارية إلا أن التقاليد و العادات أخذت في التطور و تطلع الفرنسيون الى معلومات أكثر نضجا و نقدا أكثر اندفاعية و جرأة ، لذلك لم تعد الصحف الفرنسية القائمة آنذاك كافية لإرضائهم ، و بدأ الأمر بإدخال بعض التعديلات على قانون الاحتكار فسمحت السلطات بتقديمها تصريحات ضمنيّة و أخرى صريحة بتأسيس صحف جديدة للقراء الفرنسيين بعد أن تدفع هذه الصحف مبلغا من المال الى الدوريات صاحبة الامتياز نظير تنازلها عن بعض احتكاراتها و حظيت صحف أخرى بحق الطبع خارج فرنسا ثم الدخول اليها نظير دفع مبلغ من المال الى خزانة وزارة الخارجية .[5]

و هكذا استطاعت الصحافة الفرنسية في ظل مراقبة النظام الملكي عن كثب لها أن تحقق تقدما ملحوظا من حيث محتوياتها و أن تكتسب أهمية سياسية لم تكن تتمتع بها من قبل ، و من أبرزت الدوريات الجديدة  التي ظهرت بغرض تلبية و اشباع فضول الجماهير نذكر : Journal de médecine و  commerce  Journal de ، أما عن أهم  اليوميات (le Journal de Paris) سنة 1777 م و  يـــــوميـــــّة  (le Journal général de la France) سنة 1778 م ، و في النصف الثاني من القرن الثامن عشر استطاعت الصحافة الفرنسية التغلغل داخل أقاليم الدولة من خلال انشاء الصحافة المحليّة ( 44 دورية محليّة مكرسة أساسا لنشر الاعلانات ) . [6]
 و اذا كانت الصحافة الفرنسية لم تستطع أن تلعب الدور الأول في التغيير بسبب أنفة الفلاسفة و المفكرين من العمل فيها  و احتقارهم لها  إلا أنها كما يذهب Albert Pierre استطاعت أن تلعب دورا كبيرا في القضاء على عيوب العهد القديم في فرنسا خلال القرن الثامن عشر .[7]

 2 ـ   الصحافة الفرنسية في مواجهة الفلاسفة :
يرى الكثير من الباحثين و الُكتاب أنَّ ما غير المشهد الفرنسي قُبَيلَ ثورة 1789 م و دفع الشعب الى السعي وراء التغيير الجذري كان كتيبة من ألمع العقول الفرنسية من فلاسفة و مفكرين قادوا النهضة الأوربية الثانية ابّان القرن الثامن عشر ، و لابد من القول أن هذه الكتيبة التي ضمت العديد من الأسماء على غــــــــرار  Montesquieu  و  Voltaire و Rousseau و Diderot   استطاعت من خلال مؤلفاتها و كتبها و موسوعاتها انارة عقول الفرنسيين لما بشرت به من قيم جديدة تُعلي من قيمة الانسان  و تستعيد له حقوقه أمام قهر الظروف الاقتصادية و جبروت النظام الملكي و رجــال الكنيسة .

و في هذه الفترة كانت الوسيلة المُفضلة و المثلى للتعبير عن الأفكار هي التدوين في الكتب ، هذه الأخيرة كانت تساعد بشكل جليّ على تكريس أفكار الفلاسفة لدى الناس ، و مع التقدم الباهر الذي أحرزته الصحافة الفرنسية التي كافحت من أجل حُريتها و التي استطاعت بالرغم من الحجر السياسي المفروض عليها أن توسع نطاق استحواذها على المعلومات بشكل فارق في جميع جوانب الحياة الاجتماعية و الثقافية تحول اهتمام النزر الكبير من القراء اليها مما دفع الفلاسفة الى شن انتقادات لاذعة لهذه الأخيرة باعتبار مهنة الصحافة آنذاك  محل ازدراء من قبل النخبة السياسية و الأدبية و مجرد فرع ينحدر من المجال الأدبي و يعمل على تحرير التفاهات و الأخبار الجافة ، و هكذا شاعت بالتعبير المجازي معارك محتدمة بين الصحفيين و الفلاسفة ، و لعل من أشهرها المشادات التي جمعت بين كل من الصحفي Fréron و الفيلسوف Voltaire هذا الأخير الذي يرى بأن
 les gazettes " هي عبارة عن سرد للتفاهات مع التحفظ على بعض الأوراق الرسمية المنشورة فيها و لعل من أبرز ما يمكن أن نقتبسه من أقوال Voltaire في هذا الصدد قوله :
« ont été souvent remplies de cette indécence que la liberté des nations autorise ».[8]
و كذا قوله :
«La presse est devenue un des fléaux de la société et un brigandage intolérable».[9]

أما فيما يتعلق بــ Jean-Jacques Rousseau  فقد كتب سنة 1755 م في احدى مؤلفاته :
 « Qu’est-ce qu’un livre périodique ? Un ouvrage éphémère, sans mérite et sans utilité, dont la lecture, négligée et méprisée par les gens lettrés, ne sert qu’à donner aux femmes et aux sots de la vanité sans instruction, et dont le sort, après avoir brillé le matin sur la toilette, est de mourir le soir dans la garde-robe. » [10]

من جهته Denis Diderot قام من خلال مؤلفاته بالتمييز هرميا و طبقيا بين الفلاسفة و الصحفيين و قد أكد من خلال موسوعته الشهيرة أنه ليس من السهل تأليف كتاب جديد و جميع العقول أضحت تتحول بسهولة الى الصحف معتبرا الجرائد مجرد أوراق للرعي الجاهل و مصدرا لأولئك الذين يرغبون في التحدث و الحكم عن الامور دون قراءة .

 « Tous ces papiers sont la pâture des ignorants, la ressource de ceux qui veulent parler et juger sans lire, le fléau et le dégoût de ceux qui travaillent. Ils n’ont jamais fait produire une bonne ligne à un bon esprit, ni empêché un mauvais auteur de faire un mauvais ouvrage»[11]

الأمر عينه بدر من الفيلسوف Montesquieu ازاء الصحافة و الذي كتب عنها قائلا :
 « Il y a une espèce de livres que nous ne connaissons pas en Perse et qui me semble ici fort à la mode, ce sont les journaux. La paresse se sent flattée en les lisant .» [12]

في الناصية الأخرى لم يصمت الصحفيون عن هذه الهجمات و يعد Elie -Jean Fréron من أكثر من ردوا على أقوال Voltaire بالخصوص مشددا على ضرورة أن يتقبل الفلاسفة الوضع :

« Les novateurs ont tort, il faut défendre les abus, qui par un long usage sont liés à tant de détails, se sont tellement amalgamés avec le courant des affaires, qui, en un mot, ont jeté des racines si profondes et si étendues que l’on ne pourrait les toucher sans un grand bouleversement. » [13]

و ما زاد من احتدام التعارض بين الفلاسفة و الصحفيين و بالأخص في أواخر القرن الثامن عشر الاستضافة الأولى من نوعها للصحفيين في الأكاديمية الفرنسية للتكوين سنة 1788 م ، الأمر الذي شجع عــــــليه الــــــــــــــــــــدوق  Nivernais    De و الذي رأى بأن مهنة الصحافة تستحقُ أن تحركها أفضل العقول .[14]

ليخف الاحتدام تدريجيا ابّان الثورة الفرنسية عام 1789 م أين تعاضدت مواقف الطرفين من أجل تحقيق هذا الانجاز الحاسم في التاريخ الأوربي ، ففضلا عن الاسهام الجوهري و المفروغ منه للفلاسفة في هذه الثورة كان أغلب الـــــقادة المؤججـــــــــــين لها صحفيـــــــون على غـــــــــــرار Jean-Paul Marat و Camille Desmoulins و Honoré -Gabriel Riqueti de Mirabeau و  Jacques Pierre Brissot و لعل هذه الأسماء هي الأكثر شهرة فحسب فغيرهم كثير . [15]

3 ـ   الصحافة الفرنسية في القرنين (  التاسع عشر والعشرين ) :
يجدر بنا قبل المُضي في توظيب استقراء تاريخي لهذه الفترة أن نشير الى أنها كانت الأكثر كثافة من حيث الأحداث و التطورات و التحولات سواء في التاريخ الفرنسي بشكل عام أو في تاريخ صحافة البلاد بشكل خاص ، حيث نضجت  هذه الصحافة في هذه الفترة و عرفت العديد من الطفرات و الكبوات في آن واحد سواء من الناحية الكميّة أو النوعيّة .

. 1  الصحافة الفرنسية مع بدايات القرن التاسع عشر :
عرفت الصحافة  في هذه الفترة  نقطة تحول تاريخية نظرا لما أفرزته الثورة الفرنسية سنة 1789 م من نتائج ايجابية في جميع الميادين السياسية و الاجتماعية و الثقافية و التقنية فتوسعت دائرة عملائها و قراءها و أصبح التداول عليها كبيرا و عدد سحب صحفها ضخما ، و يمكن تلخيص أهم العوامل التي اجتمعت مساهمة في تطور هذه الصحافة و توسع سوقها في النقاط التالية :
1.    تغير النظام السياسي و خلقُ ثقافة الانتخاب و ظهور المنتدبين كان من بين أهم العوامل التي رفعت من وتيرة الاهتمام بأخبار السياسة و المجتمع لدى الرأي العام في هذه الفترة فأصبح الفرنسيون يتوقون لمعرفة جديد البرامج و ما يحدث بشكل دوري في المحافل السياسية ، الأمر الذي وفرته لهم عديد الدوريات الوطنية و المحلية .
2.   انخفاض أسعار بيع الصحيفة الواحدة نتيجة للتطور الباهر في مجال التصنيع و الطباعة بشكل خاص فبعدما كانت هذه الأخيرة من امتيازات النخبة الحاكمة فحسب أصبحت في متناول الفئات البرجوازية الأخرى و أبناء المدن الأمر الذي أثر على محتوياتها فوجدت الصحف التي زاد عددها و تلونت اتجاهاتها و تباينت أغراضها أن قراءها الجدد لا يلتمسون فيها غير الأخبار و لا يقبلون على مقالات الأدب و الفلسفة فحسب فكانت الصحيفة التي تنشر خبر غرق كلب نهر على سبيل المثال في نهر السين تتحدث عنها باريس أكثر مما تتحدث عن صحيفة شغلت صفحاتها بمقالات الأدباء و العلماء . [16]
3.   استبدال ورق الشيفون النادر و المكلف بورق الخشب سنة 1811 و تزامن هذا مع ظهور الصحافة الميكانيكية في لندن و الذي ألهم الفرنسي Joly  في باريس  سنة 1845 م  لاختراع " les presses à réaction " و التي استلهمت من مراحل تصنيع سابقتها بالإضافة الى تضمينها العديد من التحسينات و التعديلات مما ساهم في رفع سقف الانتاجية بحيث كانت هذه الآلات الخاصة بالصحف تستطيع نسخ من 7 ألاف الى 12 ألف نسخة في الساعة ، و عُممت هذه الاخيرة فيما بعد في أغلب المطابع الفرنسية سنتي 1866 م و 1867 م من قبَل Derriey   و Marinoni لتتطور أكثر بعدها و تضمن نسخ حتى 18 ألف نسخة في الساعة .[17]
4.    تطور مجال المواصلات و النقل و الذي ساهم بشكل كبير في اتساع رقعة نشر الصحف ، الأمر الذي خلق ثقافة الاشتراك و المداومة  على اقتناء عناوين معينة لدى الفرنسيين في مختلف أرجاء البلاد .
5.     مع تراكم القاعدة التكنولوجية آنذاك في العالم لدرجة لم يعد هناك مشكلة تستعصى على الحل ظهر جهاز التلغراف هذه الوسيلة التي داعبت خيال الناس و حيرتهم لقرون عديدة و التي كان لها الاثر الأكبر في سيرورة تبادل المعلومات بين الصحف و مراسليها  و وكالات الأنباء ( سنة 1855 م جميع محافظات فرنسا كانت مرتبطة عن طريق التلغراف الكهربائي بباريس).
6.   تأسس وكالة " هــــافاس " الفرنسية للأنباء سنة 1835 م و التي أحست الصحف بأهميتها فاشتركت فيها و حاولت البعض الأخرى أن تستغني بنشاطها الخاص عن خدماتها فعجزت اذ تميزت وكالة هافاس بمنابع أخبارها العديدة التي كان يوافيها بها مراسلوها من لندن و بروكسل و روما و مدريد و فيينا و مدن ألمانيا المختلفة ، و قد جعلتها مصادرها تلك سنة 1850 م في القمة من حيث السرعة و الدقة و حسن اختيار الأخبار و توزيعها ، الأمر الذي تعجز عن أدائه صحف فرنسا مجتمعة . [18]
7.     ظهور الاعلان في صفحات الجرائد الفرنسية في حوالي سنة 1840 م مما ساهم في انخفاض أسعار الاشتراكات و ولادة صحافة منخفضة السعر بامتياز . [19]
 3 . 2 . العصر الذهبي للصحافة الفرنسية ( 1871 م – 1914 ) :
تعد الفترة الممتدة بين سنتي 1871 م و 1914 م أكثر فترات تميز و نجاح الصحافة الفرنسية اذ أصبح حال الصحيفة في هذا العصر  كحال أي منتج استهلاكي أساسي رائج فزاد حجم المطبوعات و ارتفع سقف الحرية و و تنوعت ألوان المحتويات ، و يمكن تلخيص أهم أسباب هذه الطفرة في النقاط التالية :

1.    كانت الصحافة المكتوبة في هذا العصر بالذات الوسيلة الوحيدة التي تستقي منها الجماهيرُ المعلومات فلم تخضع هذه الأخيرة لمنافسة من وسائل اعلام أخرى .
2.    اضفاء الطابع الديمقراطي على الحياة السياسية و كذا صدور قوانين للتعليم على غرار قانون guizot و الذي ييسر العلم لأبناء العامة فزاد مع مر الزمن عدد قراء الصحف و أصبح من السهولة الوصول الى طبقات اجتماعية جديدة .
3.    استمرار التقدم و التطور في المجال التكنولوجي و التقني ، الأمر الذي يساهم كل مرة في خفض أسعار الصحف و في الآن عينه تخريجها في صور أكثر جاذبية مما كانت عليه بحيث أصبحت مكوناتها  أحسن بفضل آلة Linotype و أصبح استنساخ الصور ممكنا عكس الفترات السابقة بفضل جهاز Similigravure .
4.    الى جانب التحسن التدريجي في شكل الجرائد مع زيادة عدد الصفحات و اعتماد العناوين الكبيرة و ما الى ذلك ، عرفت المحتويات هي الأخرى تحولا واسعا فأصبحت مساحات الأخبار أوسع مع زيادة عدد الصفحات و أصبحت الصحف تميل الى توقيد اثارة القراء من خلال مساحات جديدة تماشيا مع أذواقهم  فتم ادخال الرياضة و تهيئة صفحات خاصة بالأزياء للنساء ، هذا التطور البارز في الصحافة الفرنسية عزز تغييرا كبيرا في العقليات .
5.    سن القانون الفرنسي للإعلام سنة 1881 م و الذي يعد من بين الأحداث الأساسي في هذه المرحلة لما ضمنه من نظام أكثر ليبرالية و من حرية للنشر و التوزيع ، أما عن أهم  النقاط التي يحتويها فهي :
·       الغاء النظام الاحتياطي الذي كان موجودا من قبل و الذي كان يعتمد على الحصول على رخصة مسبقة و على رقابة لكل ما ينشر .
·       يشترط بعض الاجراءات الادارية الخفيفة تتمثل في ضرورة الحصول على تصريح من قبل السلطة لإنشاء أي مطبوع ، و وضع نسخ منه بالإيداع الرسمي دون انتظار الاذن.
و قد ظهرت العديد من الصحف الجديدة على اعتبار الاتجاهات السياسية المختلفة من يسار و وسط و يمين نذكر أبرزها : la Commune ، Le Cri du peuple ، L’Humanité fondée عن التيار اليساري ، أما الوسط فصحيفة Le Temps  و  التي كانت أكثر الجرائد طلبا من قبل القراء ، في حين L’Echo de Paris ، La - Libre parole ، L’Action Française عن التيار اليميني .[20]

 3  . 3 . الصحافة الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى ( 1914 م – 1918 ):
في هذه الفترة بالذات كانت الصحافة تحت تصرف دعاية الحكومة الفرنسية التي كانت طرفا أساسيا في الحرب مع الحلفاء و لأنه كان من الضروري تحريك أحاسيس و مشاعر الولاء لدى الجنود و غرس مشاعر البغض و الخوف من العدو في نفوس الجماهير لكي تبقى الروح المعنوية مرتفعة رغم الحرمــان أقدمت الصحافة الفرنسية في خطوة أفقدتها هيبتها و ثقة قراءها فيما بعد على تصوير الحرب في شاكلة مشرقة فتُهول الانتصارات البسيطة للحلفاء و تقزم حجم الخسائر في المعارك تماشيا مع تعليمات السلطة التي فرضت رقابة شديدة على كل ما يطبع و ينشر في تلك الفترة  ، اذ كان شرطا على كل صحيفة أن تُقدم لمكتب الرقابة عينة من صفحاتها و وفقا للتعليمات الواردة من قبل الحكومة فانَّ أي مواد تحوي على معلومات ممنوعة لا تخدم دعاية الدولة يتم حذفها .[21]

3 . 4 . الصحافة الفرنسية  المكتوبة في فترة ( 1919 م – 1939 م ) :
أخذت محتويات و وظائف الصحافة الفرنسية المكتوبة في التغير و التطور أثناء فترة ما بين الحربين مجابهة منافسا جديدا هو المذياع الذي اكتشف مع بداية سنة 1930 م و الذي جعل هذه الأخيرة تفقد الامتياز الذي لطالما كانت تتمتع به و هو سرعة نشر المعلومات ، هذا من جهة .

من جهة أخرى دخلت الصحافة اليومية في مواجهة مهمة مع المجلات و الدوريات الأسبوعية التي كانت تلقى رواجا لبأس به و تحت طائلة هذا الضغط كان من الضروري أمام هذه الصحافة اليومية أن تقوم بالتنويع في محتوياتها بغرض تلبية رغبات كل الفئات القارئة و هكذا أخذت في نشر القصص و الربورتاجات الرومانسية  و وضعت صفحات لأزياء و السينما و الرياضة و في ذات الوقت فان المساحات التي كانت مخصصة لسياسة قد خفت بشكل ملحوظ نظرا لفقدان هذه الصحافة القدرة على البناء و تشكيل الآراء .

هذا و قد تهددت العديد من الصحف ماليا بسبب الضائقة المالية و الأزمة الاقتصادية التي عرفها العالم سنوات الثلاثينات مما أدى انخفاض أسعار البيع و زيادة تكاليف الانتاج و زوال العديد من الصحف ، فمن 1920 م الى 1939 م انخفضت اليوميات الباريسية من 40 الى 32 يومية ، أما اليوميات المحلية فمن 220 الى 175 يومية .

في ظل هذا المشهد الكئيب استطاعت هذه الأخيرة أن تستفيد من التطور التقني الملحوظ في مجال الطباعة و بالأخص في تخريج الألوان التي أصبحت أكثر وضوحا و اشراقا بفضل جهاز Le bélinographe   الذي سمح بنسخ الصور المُلونة .

و يمكن القول أن أكبر اليوميات في هذه الفترة و الأكثر شهرة هي : Le Petit parisien وLe Petit journal و Le Matin و L’Echo de Paris و خاصة Paris Soir التي اشتريت من قبل   Jean Prouvost سنة 1930 م و التي حققت بفضل سياسته نجاحا باهرا ( باعت مليونين نسخة سنة 1940 ) و قد ركزت هذه الصحف الكبرى عموما على الاخراج الفني و الاثارة في اختيار المواضيع .. الخ .

أما عن أهم الصحف اليومية على اعتبار التوجه السياسي فاشتهرت في هذه الفترة بشكل واضح عن التيار اليميني الصحف التالية : Candide و Je suis partout و L’Action français و Gringoire.
أما عن التيار اليساري فالآتية : L’OEuvre, La Dépêche de Toulouse و  La France و L’Humanité و Ce soir .[22]

 3 . 5 . الصحافة الفرنسية ابـــان الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) :
يتفق العديد من الباحثين بأن الصحافة الفرنسية تعرضت لضربة قاسية للغاية أثناء الحرب العالمية الثانية نظرا لحجم القيود الذي تعرضت لها من قبل الحكومتين الألمانية و الفاشية و اللتان استطاع جيشهما احتلال نزر كبير من أراضي البلاد ، بالإضافة الى الرقابة المشددة و الضغط الذي تعرضت له من قبل النظام الحكومي الفرنسي في المناطق الأخرى أين كان لزاما عليها أن تؤجج مشاعر الفرنسيين ضد العدو تكرار لسيناريو الحرب العالمية الأولى .

في خضم هذه الظروف أصبح من السهل ملاحظة الرداءة التي آلت  اليها هذه الصحافة و الصعوبة التي واجهتها بالخصوص أمام استفحال شعبية الراديو الذي كان حينها أحد أهم أدوات الحرب الدعائية بين كل من الحلفاء و النظامين الفاشي و النازي ، و مع الوقوع التام لصحافة المنطقة الشمالية تحت السيطرة الألمانية  و صحافة المنطقة الجنوبية حتى سنة 1942 م تحت السيطرة الفاشية كانت الصحُف في المناطق الأخرى تستقبل كما هائلا من الأوامر و المذكرات التوجيهية من قبل الحكومة الفرنسية تصويبا لمحتوياتها وفق للأهداف الوطنية . و لعل أحسن مثال على هذه الدعاية الرسمية  ما تعلق بنشر كل تحركات المارشال Pétain  بين أقاليم البلاد سنة 1941 م .

« On doit éviter d’employer, pour désigner le chef de l’Etat, l’expression de
« vieillard », même précédée d’une épithète bienveillante comme « l’illustre » ou « le
valeureux ».

On ne doit user que le moins possible aussi de termes qui rappellent son passé
militaire, tels que « l’illustre guerrier », « le valeureux soldat », il y a cependant des
circonstances pour lesquelles on peut les employer de même que celle-ci : « le vainqueur de
Verdun ».
Il convient en revanche, de faire ressortir tout ce qui montre la vigueur physique et
morale du Maréchal, la bienveillance naturelle de son caractère, sa lucidité, l’intérêt qu’il
porte à tous les problèmes… Il n’est pas nécessaire de décrire ces qualités, mais il y a lieu de
les montrer en action en faisant parler les faits, comme incidemment. Exemples :

- Le Maréchal s’avance d’un pas alerte et rapide… »
- Il prend le plus vif intérêt aux explications qui lui sont données. »
- Il accueille avec sollicitude les délégations ».
في الجانب الآخر كان للصحافة غير القانونية دور فاعل أثناء هذه الحرب المُحتَدمة حيث كانت تسعى بكل ما أوتيت من امكانيات و وسائل أن تسمع صوت الحركات المُقاومة و ذلك من خلال العديد من العناوين و النسخ المطـــــــبوعة التـــــــي يصل عــــــــددها الى عــــــــــشرات الآلاف عــــــــلى غرار  Liberté ، La Voix du Nord ، Défens -
de la France  ، Combat ، Le Franc Tireur ، L’Humanité ، Libération .. الخ.[23]

و يمكن القول أن أخطر النكبات التي أصابت الصحافة الفرنسية منذ بدء الحرب العالمية الثانية هي ذلك التغير الذي ألّم بحجم الصُحُف جميعا و ان لم يؤثر في شكلها و طابعها ، فقد أصبح عدد صفحات أي جريدة لا يزيد عن أربع صفحات ، و ان ظهرت أحيانا في صفحتين و نادرا في صفحة واحدة ابان اشتعال الحرب و هذه المساحة الضيقة فضلا عن الرقـــابة لا تساعد البتة الصحافة على أداء رسالتها الأداء المطلوب .
و يجب أن نذكر من خلال هذا العُنصر أيضا أن الاضطراب الذي أصاب الصحافة الفرنسية من الناحية المادية مصدره اضطرابُ مصادر الموارد الخام ، فقد كانت فرنسا قبل الحرب العُظمى الثانية من الدول السبع الأولى في انتاج ورق الصحف و كانت تُصَدرُ جزءا منه لإمبراطورياتها و لغيرها من بلاد العالم ، فنزل هذا الانتاج الى ثمنه سنة 1945 م  و مرّد هذا أن صناعة الورق أصابها ضير بالغ خلال الحرب اذ كانت مصانعها تقع في ميادين القتال فنقلت الآلات و دُمرت بعضها .[24]

3 . 6 . الصحافة الفرنسية في فترة ( 1945 م – 2002 م ) :
عرفت فرنسا غُداة انتهاء الحرب العالمية الثانية نشاطا كبيرا في قطاع الصحافة المكتوبة ففي محاولة لتجديدها سهرت الدولة على اصدار مجموعة من الأوامر و التوجيهات و التي كان الغرض الأساسي منها تجنيب الصحافة الخضوع لسلطة المال و خدمة مصالح أطراف خارجية ، كما تمت تنقيتها من خلال تحويل السياسات الاعلامية لبعض الصحف التي كانت طوال فترة الحرب تحت السيطرة و الرقابة الألمانية كما تم حذف البعض الآخر و مُحاكمة كل الصحفيين الذين جندوا لترويج أفكار النازية و الفاشية ، هذا من جهة ، من جهة أخرى سنت الحكومة مجموعة مهمة من القوانين كتلك المتعلقة بإلحاق  كل ممتلكات الصحف المحظورة بمكتب الجمعية الوطنية للأعمال و الصحافة (SNEP) و الذي يعمل على كرائها للصحف الرسمية التي تعوزها .

و بغرض الحد من ظاهرة تمركز وسائل الاعلام تم سن قانون يمنع الشخص الواحد من امتلاك أو تسيير أكثر من صحيفة واحدة  و لفضاء أكثر شفافية كذلك شددت الدولة على الزامية وضوح هُوية  مدراء الجرائد الرسمية  و الذين لابد لأسمائهم أن تُطبَع أسفل كل نسخة ، بالإضافة الى حضر كل الموارد التي تأتي من الخارج مع ضمـــان سيولة كبيرة لنظام المعلومات الوطني من خــــــــــــــــــلال دعم الدولة الصُحف للحــــــصول على الأخبار من خلال ( Agence France Presse ) و تدعيم سوق الاعلانات عبر (agence Havas) ليترك للمؤسسات الصُحفية كل ما يتعلق بنشاطات التوزيع و الذي كانت تضمنها آنذاك مؤسسة (NMPP) التي تأسست سنة 1947 م ، و لابد من القول أن :

«  La presse de la Libération est foisonnante. Elle est fortement politisée (les quotidiens
communistes et socialistes représentent la moitié des tirages). Les grands quotidiens
nationaux sont alors : L’Humanité (communiste), Le Populaire (socialiste), L’Aube
(démocrate-chrétien), Le Figaro, Le Soir, La Croix (catholique). S’y ajoutent un certain
nombre de titres issus de la clandestinité : Combat, Défense de la France (qui devient France- Soir), Franc-Tireur, Front National, Libération, Le Parisien Libére, L’Aurore, Paris-Presse, Le Monde, Les Echos. Il faut mentionner aussi deux hebdomadaires importants : Témoignage Chrétien et le Canard enchainé, qui reparaît. » [25]

مع ذلك يذهب الباحث ابراهيم عبده في دراسته سنة 1951 م لبعض الصحف الكبرى و دور الاستعلامات الرسمية في كل من فرنسا و انجلترا و سويسرا و ايطاليا الى أن ارتفاع نسبة التوزيع عقب الحرب الكبرى الثانية لم يكن ملحوظا بالنسبة لسنة 1950 م بحيث كان يوزع أقل من أربعة عشر مليونا من نسخ الصحف بكافة أنواعها أي أن لكل ثلاثة من سكان البلاد نسخة واحدة من هذه الصحف المختلفة المشارب و الأهواء بينما نصيب اثنين من الفرنسيين قبل الحرب نسخة واحدة .[26]

و بداية من عتبة الخمسينيات عادت الصحافة الفرنسية لتقع مجددا في أزمة انخفاض أعداد السحب و لعل السبب الرئيسي  في ذلك يعود للطفرة النوعية في مجال تكنولوجيا الاعلام و الاتصال التي عرفتها أوروبا بشكل عام فمع انتشار استخدام جهاز الراديو على نحو واسع أصبح جهاز التلفزيون هو الآخر محطة لاهتمام الجماهير الفرنسية * التي وجدت منبعا جديدا تستقي منه فسيفساء الأخبار و الاعلانات و الانتاجات  الترفيهية فضلا عن هذا السبب كان لارتفاع تكاليف الانتاج و التوزيع دور كبير في اختفاء العديد من صحف الرأي بعد سنة1968 م على غرار L’Aube ، Populaire Le و عدم نجاح أخرى بمجرد انطلاقها .[27]

و انطلاقا من عام 1975 م أصيبت الصحافة الفرنسية بشكل عميق في حجمها و لعل أحسن الأرقام التي تعبر على ذلك انخفاض عدد الصحف الوطنية من 26 صحيفة سنة 1945 م الى 10 فقط سنة 2001 م  و ترافق هذا الانخفاض مع تراجع كبير في أعداد السحب فمن 15 مليون نسخة سنة 1946 م  تراجع العدد الى 9 ملايين فحسب عام 2001 م ، بالمقابل كانت وضعية الصحافة المحلية أفضل بكثير من نظريتها الوطنية حيث بقي السحب محافظا على وتيرة متوسطة حتى سنة 1980 م ليستقر بعدها عند عدد 6.7 مليون نسخة سنة 2002 م .[28]



ملاحظة : ان انتحال أراء الآخرين جريمة أكاديمية عقابها النبذ الأكاديمي، فالرجاء من الطلبة و الباحثين المستفدين من النص ذكر المصدر ، خاصة في ظل النقص الهائل للدراسات العربيّة  التي تتناول تاريخ هذه الصحافة   .






[1] Dossier pédagogique ,  Histoire de la presse d'information politique et générale en France et dans les Alpes-Maritime ,  Archives départementales des Alpes – Maritimes , p 1
[2] ALBERT Pierre, Histoire de la presse politique nationale (1871-1879), Paris, Honoré Champion, 1980,p 12.
[3] ALBERT Pierre , La Presse, PUF, collection Que sais-je ? , 2002 , p 16.
[4] Dossier pédagogique ,  Histoire de la presse d'information politique et générale en France et dans les Alpes-Maritime ,  op . cit , p 1.

  ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة ، الصحافة ،  [5]
 .http://ar.wikipedia.org/الصحافة
[6] Dossier pédagogique ,  Histoire de la presse d'information politique et générale en France et dans les Alpes-Maritimes , op .cit , p 1.
[7] Albert Pierre  , La Presse , collection Que sais-je ? , PUF, 2002.
[8] François Marie AROUET, VOLTAIRE,  dit, Encyclopédie, Paris, 1986, p. 216
[9] François Marie AROUET, op . cit , p189.

[10] JEANNENEY Jean - Noël, Une histoire des médias des origines à nos joursSeuil, Paris ,  2000, p50.

[11] Ibid , p 50.
[12] Charles de Secondat, MONTESQUIEU  ,  baron de la Brède et de Les lettres persanes, Paris, Seuil, p. 43
[13] JEANNENEY Jean – Noël , op .cit , 51.
 LUDMILA CABAC  , LE RÔLE DE LA PRESSE FRANÇAISE DANS  L’APPARITION ET LE DÉVELOPPEMENT DE LA PRESSE  DANS LES PAYS ROUMAINS , UNIVERSITÉ D’ÉTAT « ALECU RUSSO » DE BALŢI , Roumanie , 2011 , p 13 .
[15] Ibid , p16.
 ابراهيم عبده ، دراسات في الصحافة الأوربية : تاريخ و فن ، مطبعة جامعة فؤاد الأول ، مصر ، 1951 ، ط 1 ، ص  37.[16]
[17] LUDMILA CABAC  , op . cit , p 21 .
 ابراهيم عبده ، مرجع سبق ذكره ، ص 38 .[18]
[19] Dossier pédagogique ,  Histoire de la presse d'information politique et générale en France et dans les Alpes-Maritimes , op .cit , p 2.
[20]  Ibid  1 , p4 .
[21] Ibid 2, p5 .
[22] Ibid   3, p5 .
[23]Ibid   , p 6 .

 ابراهيم عبده ، مرجع سبق ذكره ، ص 12 .[24]
[25] Ibid  , p 7 .
 ابراهيم عبده ، مرجع سبق ذكره ، ص 9 .[26]
 تم احصاء 11 مليون جهاز راديو و مليونين جهاز استقبال تلفزيوني بفرنسا سنة 1960.*
[27] Dossier pédagogique ,  Histoire de la presse d'information politique et générale en France et dans les Alpes-Maritimes , op .cit , p 7 .
[28] Ibid   , p 8 .