الأربعاء، 21 أغسطس 2013

قراءة في نظرية [ الحتميّة القيميّة في الاعلام ]


نظرا لعُمق نشريات هذا المنتوج الفكري النظري ، كان من الضروري الاشارة الى أن عملنا هذا مجرد قراءة أوليّة  ، مُتواضعة جدا من الناحية العلميّة و لعل السنوات القادمة بما تحمله من بحوث و قراءات لأنصار هذه النظرية و نقادها ستكون كفيلة  لبلورة نضج معرفي لابأس به أمام الباحثين المغمورين في مجال علوم الاعلام و الاتصال  مما يساعد هؤلاء مع المتابعة و البحث المستمر على تبيان مواضع قوة هذه النظرية و ضعفها .  

قراءة في نظرية المفكر الجزائري :

" عبد الرحمــــان عـــــزّي "

[ الحتميّة القيميّة في الاعلام ]
إعداد : فريال أوصيف / الجزائر

 "إنّ نظريتنا لا تستثني نظريات الاتصال الاخرى ، بل تدفع الى دراستها و تـــــبيان تجزؤها و نظــــــرتها الجزئية ، و تـــــــــــوفر اطارا ينتقدها  ، لكن هَمَ نظريتنا ليس نقد 
 الغير  أو مراجعته فذلك " أسهل " و إنما التعبير عـــــــن  " الذات " و التميز الثـــــــــــقافي بغض النظر عن هــــذا الآخر  ، و أحيانا يمكن أن تتــعايش نظريتنا مع تـــــــلك النظريات على بعض المستويات الواقعية و المنطقية ، ثم تنفصل عنها على مستوى القيمة أو ما سمــيناه بالنظرية الحتمية القيميّة . كما أن نظريتنا لا تستثني جهودا أخرى تــــــــــكون قد بُذلت في المجال ســــــــواء أ كانت هذه المحاولات مألوفة أو غير مـــــــــألوفة . و الخالص أن ّ نظريتنا ليســــــــــــــــت خاصة أو محــــلية ، بل تزعم أنـــــــــــها عـــــالمية  يمكن الاعتماد عليها في دراسة الاتصال بغض النظر عن طبيعة الثقافة و مستواها "
                                                                                                  عبد الرحمان عزّي


مدخل الى المنظومة المعرفية لعبد الرحمن عزي

أولا : نظرة في السيرة الأكاديمية للمنظر


عبد الرحمان عزي أكاديمي و باحث إعلامي جزائري ، من مواليد 1954 بقرية بني ورثيلان  هذه المنطقة التي تتــــــــميز بمميزات قلّ أن نجد لها مثيلا في تراب الجزائر فعرفت بالثورة و عدم قبــــــــــول الانماط و القوالــــــب الجاهزة و ترسيــــــــخ كروموزمات الحرية في أبنائها[1] لتكون بمثابة البيئة الصغرى التي ترعرع فيها و كان لها النبع التصوري اللاشعوري المستقبلي في نشأته الأولى ، فقد ذكر حسب " بشير كردوسي " [2] أنه فطم في بيئة دينية مفعمة بالتعاليم الدينية و حفظ القرآن ، و هذا سيكون له الدور المحرك المستقبلي في بصمات فكره .

لينتقل من مصدر رأسه الى ثانوية عمر بن الخطاب بالبليدة و يتحصل بعدها على شهادة الليسانس في الــــــــــصحافة عام 1977 من جامعة الجزائر . و تأتي مرحلة سفره الى أمريكا فيما بين 1977 الى غاية 1985 دارسا و أستاذا باحدى جامعاتها بمثابة الحافز الذي سجل حضور نظريته الحتمية القيمية للاعلام أو كما يسميها هو مـــــــــجازيا بالحـــــــــتمية النظرية القيميّة [3] ، حيث أحدث هذا السفر صدمة استفاقة لديه للنهل من المنابع الغربيّة و من مختلف مدارسها و خاصة الاجتماعية منها التي تنبع من منابع الفكر الفلسفي الغربي ، هذا النهل سيكون له الواقع الابستيمولوجي في تكون نظرية " الحتمية القيمية للإعلام "  لديــــــــــــه حيث بدأت رحـــــــلته الى هذه النظرية بقراءاته  المتأنــــــــية لنظريات الاتصال السائدة أنذاك ، يقول في هذا الاطار : 

"  لقد  وجدت العديد من تلك النظريات كنظرية التدفق الاعلامي على مرحلتين  Two – step flow – of commnication  و تحديد الاولويات   و الاستخدامات و الاشباعات .. الخ  ، واقعية كالواقعية الأمريكية  American  pargmatism تفيد في تفسير بعض الجوانـــــــــب الجزئية في الاعلام و الاتصال و لكنها لا تتـــــــــضمن أبعادا فكريــــــــة أو فلسلفية واضـــــــــحة ، و قد وجهني " فـــــان دايك  Vandyck " أحد أساتذة سوســـــــــــيولوجية الاعلام الى دراسة الخلفـــــــــــــية النظرية و الفلسفية الاجتماعية في دراسة الاتصال كظاهرة ذات أبعاد متعددة ... و هكذا عدت الى المرجعية النظرية الاجتماعية الغربية الحديثة قصد دراستها و فهمها من الداخل كلما كان ذلك ممكنا في مــــــــــحاولة لاستيــــــــــــعاب ظاهرة الاتصال بمختلف تجلياتها ".

 ويقول: "فيالواقع أن عودتي المؤقتة الى الجزائر { أســــــــــتاذا بجامعة الجزائر و رئيسا لمجلسها العلمي و محررا بجريدة الشـــــــــعب لسنتين } جعلــــــــــــــــــتنيأستقل تدريجيا عن البنية النظرية الاجتماعية الغربية و لكن أدواتها ظلت حاضرة في مقـــاربتي لهذا المحيط المستجد رغما عني ، و لقد مكنتني  تلك الأدوات من أن أنظر الى الذات و الثقافة من زاوية خارجـــــــــية و كأنني اكتشفت هذه الذات من جديد ، فكان ذلك حافزا أساسيا في النبش في التراث ، فكتبت عن النظرية الاجتماعية الغربية الحديثة و ابن خلدون كما استوقفتني اسهامات مالك بن نبي في دراسته " مشكلة الحضارة  " و إبراز الترابط البنـــــيوي بين الانسان و التراب و الزمان .. فأضــــــــــــــفت في دراــــسة أخرى عامل الاعلام في نظريته و بينـــــت مفهوم الأهلية القيمية في دراسة مجتمع عصر المعلومات .[4]


*   ليكون عزي عبد الرحمان و بدراساته { أزيد من 50 دراسة علميّة } كما يقول " نصير بوعلي"   مفكر اعلامياّ و اجتماعياّ ليس مبتورا عن أصوله و لا متروكا على هامش التقدم العلمي و المعرفي " .[5]

ثانيا : المفــــاهيم في المنظومة المعرفية للمنظر :

الأمر الذي لا مراء فيه أن اكتشاف المفاهيم المنبثقة عن المنظومة المعرفية للمفكر الجزائري عبد الرحمان عزي و الفهم الصحيح لها يشكل نقطة أساسيا في فهم نظريته نظرا الى أن هذه الأخيرة العاكس الأوّل لأسسه الفكرية و براهينه و مراميه ، و قبل الاستهلال في وصف الخطاب الاعلامي لعبد الرحمان عزي يقد الباحث [ نصيـــر بوعـــلي ، أستاذ بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة  قراءة  استكشافية لأبعاد هذه الأخيرة و التي تعتمد أساسا  على التضاد الثنائي في النقاط التالية :

          هناك تعارض كامل بين كتلتين ثقافيتين ، كتلة ثقافة المجتمع الاسلامي و كتلة المجتمع الغربي .
          هناك تعارض كامل بين حقيقتين ، حقيقة الوجود المادي و حقيقة الوجود المعنوي .
          هناك تعارض بين فكرتين و تصورين : الأنـــــا و الآخر و يتمثل هذا التعر أما في : الاستقلال أو التبعية ، اما اثبات الاصيل أو فتح النوافذ "دون فحص  " لكل ماهو  دخيــــل ، و هذا التضاد الثنائي ينبغي أن يكون واضحا .

*    و المهمة الاساسية لتفسير المنظومة الاعلامية و الاتصالية يقول نصير بوعلي في المجتمع الذي ينتمي اليه [ الواقع الاسلامي ] تتمثل أساسا في تغيير المفاهيم من حيث العمق و ليس استبدالها بمترادفات لا تعبر عن تحول حقيقي ، فالواقع الاسلامي يصطدم مع المنظومة المستوردة من الآخر و لعل مفاهيم عزي عبد الرحمان كما يذهب اليه نصير بوعلي تمثل في النهاية رموزا تشير الى منظومته الاعلامية و الاتصالية الخاصة المستقلة قيميّا عن الآخر .
1.       مفهوم  الثقافة عند المفكر عبد الرحمان عزي  :
من منظوره فان الثقافة عبارة عن سلم من القيم تسمو أو تدنو وفق العلاقة مع القيمة ، كما أن الثقافة في أصلها ظاهرة دينية أخذت بعدا اجتماعيا بالممارسة ، أمّا العلاقة مع القيمة الدينية الأصلية اقترابا منها أو ابتعادا عنها ، و من منظروه أيضا فان الجانب المعنوي من الثقافة يمكن أن يدرس كمجال مستقل و في العلاقة مع القيمة .

*   يتعامل عبد الرحمان عزي مع كل مفاهيم الثقافة القديمة و الحديثة و يقوم بحصر جميع المفردات و يحللها و فق المنظور المعياري كما يلي حسب { قراءة نصير بوعلي لنظرية المفكر الجزائري }  :
ان الثقافة هي :
          العادات
          التقاليد
          المعتقدات
          الحرف و الصناعات
          الحضارة
          الطقوس
          الفلكلور
          الأساطير
          أنماط الحياة
          الفنون
          المنتجات المادية
          العمران
ü    مفاهيم قديمة و حديثة للثقافة .
    فيقوم باختزال لهذه المفردات و يعتبرها متداخلة ليست حصرية فالعادات تشمل التقاليد و الحضارة و تتضمن العمران ، و الطقوس هي أنماط الحياة ، و الفنون تتضمن الفلكلور أيضا ... الخ .
كما أن هذه المفردات ليست مرتبطة وفق نظام الاولويات ، فهل الحضارة في ميزان واحد مع الأساطير على سبيل المثال .
من جهة أخرى فان هذه المفردات تبتعد عن الأحكام القيميّة و هي تقوم في ذلك على مبدأ يقول  لكل مجتمع ثقافته "،  كما أنّ هذه المفردات تستثني وسائل الاتصال كجزء من الثقافة .

*    انطلاقا مما سبق يعرف عبد الرحمان عزي الثقافة بأنها معايشة الواقع انطلاقا من القيم و يكون النشاط العقلي للإنسان وسيلة لتحقيق الترابط بين القيمة و السلوك .[6]

2.    مفهوم الرأي العام عند الأكاديمي عبد الرحمان عزي : 
              
يرى عبد الرحمان عزي أن مفهوم الرأي العام ليس فيه الكثير من تراث الأنا على اعتبار انه ارتبط تاريخيا بتجربة المجتمع الغربي ابتداء انت الفترة المسماة فترة النهضة في اوروبا في اواخر القرن الخامس عشر للميلاد .

و لأن مفهوم الرأي العام كما هو في السياق الغربي مرتبط بمتغيرات تتمثل في تقلص ظاهرة الأمية و انتشار التعليم و المشاركة السياسية ، الأمر الذي جعل الناس في هذه المجتمعات تطالب بالأخذ برأيها اعلاميا و سياسيا ، هنا يطرح السؤال " بضم الياء كما يذهب اليه نصير بوعلي عما اذا كانت هذه المتغيرات حاضرة في المجتمعات الاسلامية في الوقت الحاضر 
.
     عزي عبد الرحمان : دعوة الى اعادة النظر في المفهوم و تقديم البديل المخيال الاعلامي أو المخيال و الوجدان الجمعي  .
يحرص المُنظرُ في استبداله لمفهوم الرأي العام بمفهوم المخيال الاعلامي على جعل الجمهور العربي و الاسلامي و العالم النامي معاصرا لنفسه على صعيد الفهم و المعقولية ، و لأن الواقع العربي متعدد ( منغلق و متفتح ) فهذا المفهوم هو  أيضا كذلك  ، أي المخيال الاعلامي المجسد.[7]

3.       مفهوم  العولمة  عند عزي عبد الرحمان :
ان المتأمل للعبارات الآتية لعبد الرحمان عزي " ... ينذر تفجير الظاهرة المعلوماتية الاتصالية بتقلص ثقافات افريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية و العالم السلامي و انحصارها في شكل كيانات فلكلورية هشة لا مكانة لها في المسار التاريخي و البناء الحضاري  ... و تنذر هذه الثورة الاتصالية التي لم تعد تتقيد بعوائق  الوقت و الجغرافيا بتحول العالم الم ما سماه  " ماك لوهان  وحدة القبلية ، أو قرية واحدة  .و تتضح له كما يذهب نصير بوعلي الى ان الاستاذ عزي عبد الرجمان من خلال أبحاثه لمَّح بإشارات استشرافية الى ما سماه أخطبوطا آت لا محالة و هو ظاهرة العولمة " و يقول:  " ان البصمة الاستشرافية دائما حاضرة في دراسات عبد الرحمان عزي فقد اشار بطريقة غير مباشرة الى الصراع القادم و الذي يتجسد الآن سياسيا و ايديلوجيا و حضاريا و حربيا بين الولايات المتحدة الامريكية و بعض الأجزاء من العالم الاسلامي " .

*   و من هنا لابد من الاشارة الى أن العلامة عبد الرحمان عزي تحدث عن العولمة كظاهرة و ليس كمفهوم ، و حالة العولمة هي تلك الظاهرة التي يعيشها  الناس في الأرض كلها من التواصل  اليومي و الآني بعضهم ببعض .[8]
ثالثا : الاعلام و الفكر لدى عبد الرحمان عزي :

تتعدد موارد الـتأصيل و التأسيس لإعلام الفكرة لدى عبد الرحمان عزي إلا أن من أهمها :
ـ  القيمة كمرجعية و مرتكز و مركز رؤية .
2 . الاهتمام بالتراث العربي الاسلامي على سبيل الاجتهاد ، لا النقل .
3 . معرفة الآخر ـ الغرب عموما ـ فكرا و لغة و منهجا .
ـ  معرفة معطيات العصر و خاصة في مجال الاتصال و المعلوماتية من خلال المعيار و المقياس الذي يمنحه اياه بعده الفكري للظاهرة الاعلامية ، و هذه الموارد يقول نصير بوعلي هي التي تؤسس لإعلام الفكرة لدى عبد الرحمان عزي و هي التي تعمل على بلورة نظريته للإعلام .
و لعل اعادته  الظاهرة للمورد الاول ـ القيمة ـ و الذي يعد من أبرز محاور أطروحاته أحسن دليل على ذلك ، بالإضافة الى عودته المتكررة لكتاب  القرآن الكريم "  كمصدر لموضوع الاعلام اثبات للمورد الثاني .

*   من هذا المنطلق يمكن اعتبار اعلام الفكرة عند عزي عبد الرحمان يتكون في الموضوعية و يتجسد في العلمية و يتركز على الذاتية ، و ان مرتكزات البعد الفكري لديه تتمثل في الشمولية في الرؤية، التفكير في المعاني ، الاحاطة بمــــــعاني الشيء ، الوعي المطلوب ، استخدام العقل لإدراك الغايات و اخيرا الارتكاز الى القيمة ( القيم ) .[9]

مدخل الى نظرية الحتمية القيمية للإعلام :
أولا : خلفية فكرية لنظرية الحتمية القيمية للإعلام

إن اهتمام الدكتور عزي عبد الرحمن بالمنظور الاجتماعيالفلسفي  في دراسة الاتصال كظاهرة ذات أبعاد متعددة يعود إلى اهتمامه بالفكر الاجتماعي والفلسفي المعاصروقد ساعده هذا الفكر على استيعاب ظاهرة الاتصال بمختلف تجلياتها ،و إن احتكاكه بإتباع بعض النظريات في أمريكا  كما ذكرنا في بداية البحث أزال عليه الغموض . فكتب عن الظاهرة الاتــــــــــــصالية الإعلامية انطلاقا من بعده الحضاري وبالاستناد إلى الفكر الاجتماعي المعاصر ، فقام بالبحث  في التراث إلى إن جاء ميلاد هذه النظرية الاتصالية القيمية التي تتميز ثقافيا وحضاريا عن النظريات الأخرى من دون أن تلغيها بل بالعكس تساعد على فهمها فهما صحيحا .

و إذا كان أصحاب نظريات الاتصال السابقة اهتموا بالأثر أو التأثير الذي تحدثه وسائل الاتصال ،فإن نظرية عبد الرحمن عزي يصب جزءا منها في هذا الإطار و من هذا المنطلق فدراسة الاثر لا يتم في منظوره من دون مرجعية تربط محتويات وسائل الاعلام بالقيمة . وقد استخدم الأستاذ عزي عبد الرحمن أداة منهجية من الفكر الاجتماعي البنيوي في الكشف عن هذه التأثيرات الايجابية أو السلبية وهي أداة التضاد الثنائي والتي ترى أن الايجابي لا يفهم إلا عند مقابلته بالسلبي . فتعزيز القيم يقابله تحييد القيم ، توسيع دائرة الاستفادة من الثقافة يقابلها تبسيط وتشويه الثقافة ،تحقيق الانسجام وتعزيز الترابط الاجتماعي يقابلها أضعاف نسيج الاتصال الاجتماعي ، ونقد الذات وتغييرها يقابلها منع الفرد من نقد ذاته وتغييرها ... الخ .
و الأمر الجدير بالذكر أن نظرية الحتمية القيمية الإعلامية تتعايش مع النظريات الاعلامية الأخرى على بعض المستويات الواقعية و المنطقية ، و لكنها تنفصل عنها على مستوى القيمة من كلام عزي عبد الرحمان حسب نصير بوعلي و اذا كانت المرجعية الاجتماعية مصدر قوة نظريات الاتصال الغربية فان المرجعية القيمية تشكل ثقل نظرية عزي عبد الرحمان .[10]

ثانيا : مراحل تطور مسمى النظرية


في مناظرة حول نــــــــــــظرية الحتمية القيمية قدمها الطالــــــــب محمد هاشم الكريم بمعية الدكتور نصير بوعلي تم التطرق الى قضــــــــية مسمى النظرية و الذي يقول الباحث نصير بوعلي في صدده : " في الأصل الدكتور عبد الرحمن عزي هو الذي أطلق عليها هذه التسمية مجازيا  "الحتمية النظرية القيمية " في كتابه دراسات في نظرية الاتصال نحو فكر إعلامي متميز ،و بعد ذلك أطلقت عليها أنا تسمية  "الحتمية القيمية الإعلامية" لتسهيل الفكرة وربطها بالإعلام مباشرة وذكرت ذلك في مقدمة كتابي "الإعلام والقيم قراءة في نظرية المفكر الجزائري عبد الرحمن عـــــــــزي ، وأطلقت الباحثة  "عزوز هند " من جامعة باتنة مسمى "الحتمية القيمية " على النظرية في دراستها الأخيرة عن أهمية النظرية ، مبرراتها ومقتضياتها والمسمى الحالي للنظرية "الحتمية القيمية الإعلاميةيتكامل مع المسمى الأصلي للدكتور عزي عبد الرحمن "الحتمية النظرية القيمية " .فالمسمى الحالي يعكس الواقع " المجسد " أما المسمى الأصلي "الحتمية النظرية القيمية  فهو يعكس ما ينبغي أن يكون عليه الواقع ، أي النظرية وهي على مستوى المخيال المجرد[11] .

ثالثا : أهمية النظرية في حقل علوم الاعلام و الاتصال  و البنية القيمية

نظرية الحتمية القيمية ذات أهمية بالغة في الأبحاث الإعلامية حيث أنها حاولت تخطي الخلل النظري في النظريات الغربية التي تدرس فقط الجانب المحسوس، وهذا لا يعبّر عن الواقع كما هو بل يعبّر عن جزء من هذا الواقع وبالتالي تكون النتائج جزئية  كما أن نظرية الحتمية القيمية حاولت تحديد الأسس النظرية لدراسة أثر وسائل الإعلام عبر محدد واحد وهو الرسالة الإعلامية وارتباطها بالقيم .[12]

من جهة أخرى يذهب الباحث " السعيد بومعيزة " الى ان نظرية المفكر الجزائري عبد الرحمان عزي على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تجعل من القيم متغيرا مستقلا و ليس متغيرا تابعا ، و بالتالي يقول الباحث : "  توضع هذه النظرية في مصاف تنظير المفكرين الكبار أمثال ماكس فيبر الذي حاول شرح تطور الرأسمالية الغربية انطلاقا من الدور الذي تلعبه القيم الدينية البروتستانتية ... الخ "
و في سياق آخر يشير السعيد بومعيزة [ استاذ بجامعة الجزائر3]  الى أن أهمية نظرية الحتمية القيمية تبرز في قدرتها على مساعدتنا في فهم أزمة البنية القيمية في المجتمع الانساني ككل .[13]

نظرة تعريفية وصفية لأهم فروض نظرية الحتمية القيمية

أولا : عبد الرحمان عزي " الرسالة هي القيم "

ان القارئ و المتمعن في دراسات و أبحاث المفكر الجزائري عبد الرحمان عزي يجد هذا الهاجس الجوهري المركزي  [ الرسالة هي القيم  أي أن يكون الاتصال دائما حاملا للقيم الثقافية و الروحية التي تدفع بالإنسان و المجتمع الى التقدم .

و اذا كان ماك لوهان في مقولته ~ الوسيلة هي الرسالة ~ يعني مجتمع الحاضر فان عبد الرحمان عزي من خلال مقولته ~ الرسالة هي القيم ~ حسب ما توصل اليه الباحث نصير بوعلي من خلال التمعن في اطروحات العلامة يرنو  بها الى المستقبل ، أي ما ينبغي أن يكون عليه الاعلام في كتلة المجتمع الاسلامي و غير الاسلامي ، و أن يكون الاتصال نابعا و منبثقا من الابعاد الثقافية و الحضارية التي ينتمي اليها المجتمع فالرسالة تكون هادفة نافعة اذا ما تمت في اطار أو تصور أو فكر أو انتماء .
و يفهم من هذا الكلام أن القيمة حتمية ضرورية عند دراسة الاعلام و كلما اقترنت القيمة بالإعلام كلما كان التأثير ايجابيا على المجتمع و كلما ابتعد الاعلام عن القيمة أو تناقض معها و كلما كان التأثير سلبيا .
يقول عبد الرحمان عزي أن القيمة تؤسس الانسان و لا يكون هذا الأخير مصدر القيمة بل أداة لها { أي تجسد فيه القيمة } .
و الجدير بالذكر أن هذه المقولة " الرسالة هي القيم " لم يعلن عزي عبد الرحمان بشكل مباشر  كما فعل ماك لوهان  [ حسب الأستاذ نصير بوعلي دائما ].

ثانيا : الاثر الاعلامي و نظام القيم

إن الجديد في نظرية عزي عبد الرحمان هو تقسيمه للتأثير الى تأثيرات ايجابية و أخرى سلبية على غرار ما هو معروف في الدراسات الامبريقية من تأثيرات كامنة و أخرى ظاهرة ، مباشرة ، غير مباشرة ، تأثيرات على المدى القصير ة و أخرى على المدى البعيد ... الخ .

و تتضمن تأثيرات محتويات وسائل العلام الايجابية في منظوره ما يلي : تعزيز القيم ، التنشئة الاجتماعية ، توسيع دائرة الاستفادة من الثقافة ، الوعي بالعالم الخارجي ، أو توسيع المحيط ، النظر من زاوية خارجية ، معايشة عوالم متعددة ، تحمل الانسان عبر الزمان و المكان ، الاشباع ، الترفيه ، نقد الذات و تغييرها ، الاعلام و التفسير و التحليل.

أما السلبية فهي : تحييد القيم ، تبسيط وتشويه الثقافة ، تضييق المحيط ، تقليص المحلي و توسيع العالمي ، اضعاف نسيج الاتصال الاجتماعي ، اضعاف دور قادة الراي و الفكر ، تقمص أدوار النجوم ... الخ .

و قد استخدم عبد الرحمان عزي أداة التضاد الثنائي و التي ترى ان الايجابي لا يفهم الا عند مقابلته بالسلبي كما سبق أن ذكرنا الله بها .

ثالثا : نحو ربط ثقافة الحواس بالقيم

ان التحليل الذي قدمه عبد الرحمان عزي في قراءته الايبستمولوجية في تكنولوجيا الاتصال يحيل المتمعن الوقوف أمام معرفته الكاملة بالموضوع ـ أي بوصفها نظرية في علوم الاعلام و الاتصال مبنية على : تكنولوجيا الحواس ، و هي في الاصل معرفة انسانية و لذلك يمكن فعلا فهم العالم الذي من حولنا من خلال الحواس ، و يمكن معرفة تطور البشرية من خلال وظيفة الحواس في الانسان أيضا .


و يقول نصير بوعلي أن الغاية و المقصد من تفسير عزي عبد الرحمان للإعلام حواسيا هو أولا التنبيه الى العلاقة الترابطية بين العالم و المعلوم أي بين العارف و غيره ، كما يقصد بها التنبيه الى مخاطر تجزأ الانسان.[14]


خاتمة
أشار الأستاذالسعيد بومعيزة في الحوار الأول الذي أجراه مع أ.د.عبد الرحمن عزي والذي نشرته البوابة العربية لعلوم الإعلام والاتصال بأن كتابات عبد الرحمن عزي تشكو من الصعوبات ،خاصة  للقارئ الجديد أو الذي لا ينتمي إلى دائرة الاهتمام بالنظرية أو ليست له صلة بكتابات عزي  هذا سيجد صعوبة في الفهم على مستوى المفاهيم والمصطلحات دون الحديث عن الغايات والمقاصد ، فهذه أيضا ليست في متناول الجميع، حتى الذين ألفوا قراءة في ما يكتبه عبد الرحمن عزي  يؤكد نصير بوعلي بأنهم لا  يدركون الفكرة أو الخلاصة إلا بعد القراءة المتمعنة عدة مرات . فالجملة الواحدة في كتابات عزي تحمل تراكما معرفيا وتوحي بدلالات كثيرة، كما يتسم أسلوبه بالسياقية وعمق الفكرةفلابد من الدعوة إلى القراءة الواعية والرشيدة والمستمرة لنصوص عبد الرحمن عزي وهذه القراءة لا تتم إلا عن طريق المعرفة باللغة (الأسلوبالتي يكتب بها عزي، ثم محاولة معرفة المقاصد أو الأهداف.

و منذ خروج نظرية الحتمية القيمية للإعلام الى النور لم تؤلف بخصوصها المقالات أو الدراسات الناقدة التي تسد أي ثغرة قد تشوبها و لعل المهمة الاساسية للمهتمين بهذه النظرية الآن التعريف بها و الكشف عن أبعادها و دلالاتها المختلفة مما يوسع دائرة الاهتمام بالنظرية و كما يقول الاستاذ نصير بوعلي  إن النقد يقتضي ذكر الايجابيات قبل السلبيات فنحن الآن في مرحلة التعامل مع ايجابيات النظرية .

 ان جهود الباحثين في علوم الاعلام و الاتصال في المنطقة العربية و الاسلاممية  موجودة و بكثرة لكنها جهود فرعية و منعزلة عن بعضها البعض ، بعيدة كل البعد عن واقع الحقول المعرفية في التراث الغربي ، و من هنا نسجل اعجابنا بهذه النظرية حيث تكمن أهميتها في الجمع بين الخصوصية الثقافية التي تتشبع و تتقوى بمرجعية دينية و فكرية و قيميّة ثابتة للفرد المسلم أو العربي من جهة  و بين الادوات العلمية المجردة التي لا تحمل جنسية بشرية باعتبارها ترثا فكريا للجميع  في انتظار الأدبيات التي تبحثُ فيها و تكشفُ عنها مكامن قوتها و ضعفها .



الهوامش :
ملحوظة : 2  لم يتم وضع الهوامش بشكل ممنهج نظرا الى أننا وصلنا  الى  نزر مهم جدا من المعلومات  على الشبكة لكن  دون    التفاصيل الضرورية  للتهميش مما  وقف حائلا بيننا  و بين ذكر كل العناصر.



 مأخوذ من الموقع التالي :[1]
[2]   بشير كردوسي ، حفريات ابستيمولوجية لنظرية الحتمية  القيمية في الاعلام المنتسبة الى العلامة عبد الرحمان عزي ،
مأخوذ من موقع الحتمية القيمية ، https://sites.google.com/site/valuemediadeterminismtheory .
[3]   نصير بوعلي ، الاعلام و القيم ، قراءة في نظرية المفكر الجزائري عبد الرحمان عزي ( الجزائر :  دار الهدى ، 2005) ، ص 5 .



[4]   عبد الرحمان عزي ، دراسات في نظرية الاتصال: نحو فكر اعلامي متميز ( لبنان : بيروت ،  مركز دراسات الوحدة العربية ، السلسلة رقم 28 ، 2003  ) ، ص 9 ـ 11.
  [5] نصيربوعلي ، مرجع سبق ذكره ، ص 8.

[6]     نصير بوعلي ، مرجع سبق ذكره ، ص 23 – 27 .
 لمزيد من المعلومات حول هذا العنصر : أنظر نصير بوعلي ، مرجع سبققق ذكره ، ص 29 – 36.[7]
  ذات المرجع السابق : أنظر ص 36 – 38.[8]
 نصير بوعلي ، مرجع سبق ذكره ، ص 16 – 18 .[9]
  [10]   اعتمدنا في هذا الهامش على مناظرة حول الحتمية القيمية في الاعلام بين الأستاذ نصير بوعلي و الطالب محمد هاشم الكريم ، مأخوذة من شبكة الانترنت .
 ذات المرجع السابق .[11]
 [12]  السعيد بومعيزة ، لماذا نهتم بدراسة القيم ؟، مأخوذ من موقع النظرية الحتمية القيمية ،
 نفس المرجع السابق .[13]
  [14]   نصير بوعلي ، مرجع سبق ذكره ، ص 48 ، 45.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق